الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٤٥
وما تنفقوا من شئ فإن الله به عليم. كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة
____________________
رائح، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها في أقاربه. وجاء زيد بن حارثة بفرس له كان يحبها فقال: هذه في سبيل الله، فحمل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد، فكأن زيدا وجد في نفسه وقال: إنما أردت أن أتصدق به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إن الله تعالى قد قبلها منك. وكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري أن يبتاع له جارية من سبي جلولاء يوم فتحت مدائن كسرى، فلما جاءت أعجبته فقال: إن الله تعالى يقول - لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون - فأعتقها.
ونزل بأبي ذر ضيف فقال للراعي: ائتني بخير إبلي، فجاء بناقة مهزولة، فقال خنتني، قال: وجدت خير الإبل فحلها فذكرت يوم حاجتكم إليه، فقال: إن يوم حاجتي إليه ليوم أوضع في حفرتي. وقرأ عبد الله حتى تنفقوا بعض ما تحبون، وهذا دليل على أن من في مما تحبون للتبعيض: ونحوه أخذت من المال. ومن في (من شئ) لتبيين ما تنفقوا: أي من أي شئ كان طيبا تحبونه أو خبيثا تكرهونه (فإن الله) عليم بكل شئ تنفقونه فمجازيكم بحسبه (كل الطعام) كل المطعومات أو كل أنواع الطعام. والحل مصدر يقال حل الشئ وحلا كقولك: ذلت الدابة ذلا وعز الرجل عزا. وفي حديث عائشة رضي الله عنها " كنت أطيبه لحله وحرمه " ولذلك استوى في الوصف به المذكر والمؤنث والواحد والجمع، قال الله تعالى - لا هن حل لهم - والذي حرم إسرائيل وهو يعقوب عليه السلام على نفسه لحوم الإبل وألبانها. وقيل العروق كان به عرق النساء، فنذر إن شفي أن يحرم على نفسه أحب الطعام إليه وكان ذلك أحب إليه فحرمه. وقيل أشارت عليه الأطباء باجتنابه ففعل ذلك بإذن من الله، فهو كتحريم الله ابتداء، والمعنى: أن المطاعم كلها لم تزل حلالا لبني إسرائيل من قبل إنزال التوراة وتحريم ما حرم عليهم منها لظلمهم وبغيهم لم يحرم منها شئ قبل ذلك غير المطعوم الواحد الذي حرمه أبوهم إسرائيل على نفسه فتبعوه على تحريمه، وهو رد على اليهود وتكذيب لهم حيث أرادوا براءة ساحتهم مما نعى عليهم في قوله تعالى - فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم - إلى قوله تعالى - عذابا أليما - وفي قوله - وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر من البقر والغنم حرمنا عليهم شحومها - إلى قوله - ذلك جزيناهم ببغيهم - وجحود ما غاظهم واشمأزوا منه وامتعضوا مما نطق به القرآن من تحريم الطيبات عليهم لبغيهم وظلمهم فقالوا: لسنا بأول من حرمت عليه وما هو إلا تحريم قديم، كانت محرمة على نوح وعلى إبراهيم ومن بعده من بني إسرائيل وهلم جرا إلى أن انتهى التحريم إلينا فحرمت علينا كما
(٤٤٥)
مفاتيح البحث: الطعام (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 440 441 442 443 444 445 446 447 448 449 450 ... » »»