الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٤٩
ومن كفر فإن الله غني عن العالمين. قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون. قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء
____________________
والتفصيل بعد الإجمال إيراد له في صورتين مختلفين. ومنها قوله (ومن كفر) مكان ومن لم يحج تغليظا على تارك الحج، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا " ونحوه من التغليظ " من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر " ومنها ذكر الاستغناء عنه وذلك مما يدل على المقت والسخط والخذلان.
ومنها قوله (عن العالمين) وإن لم يقل عنه وما فيه من الدلالة على الاستغناء عنه ببرهان، لأنه إذا استغنى عن العالمين تناوله الاستغناء لا محالة، ولأنه يدل على الاستغناء الكامل فكان أدل على عظم سخط الذي وقع عبارة عنه. وعن سعيد بن المسيب نزلت في اليهود فإنهم قالوا: الحج إلى مكة غير واجب. وروي " أنه لما نزل قوله - ولله على الناس حج البيت - جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الأديان كلهم فخطبهم فقال: إن الله كتب عليكم الحج فحجوا، فآمنت به ملة واحدة وهم المسلمون وكفرت به خمس ملل، قالوا لا نؤمن به ولا نصلي إليه ولا نحجه فنزل - ومن كفر " وعن النبي صلى الله عليه وسلم " حجوا قبل أن لا تحجوا، فإنه قد هدم البيت مرتين ويرفع في الثالثة " وروي " حجوا قبل أن لا تحجوا حجوا قبل أن يمنع البر جانبه ". وعن ابن مسعود " حجوا هذا البيت قبل أن تنبت في البادية شجرة لا تأكل منها دابة إلا نفقت " وعن عمر رضي الله عنه: لو ترك الناس الحج عاما واحدا ما نوظروا، وقرئ حج البيت بالكسر (والله شهيد) الواو للحال، والمعنى: لم تكفرون بآيات الله التي دلتكم على صدق محمد صلى الله عليه وسلم والحال أن الله شهيد على أعمالكم فمجازيكم عليها، وهذه الحال توجب أن لا تجسروا على الكفر بآياته. قرأ الحسن تصدون من أصده (عن سبيل الله) عن دين حق علم أنه سبيل الله التي أمر بسلوكها وهو الإسلام وكانوا يفتنون المؤمنين ويحتالون لصدهم عنه ويمنعون من أراد الدخول فيه بجهدهم.
وقيل أتت اليهود الأوس والخزرج فذكروهم ما كان بينهم في الجاهلية من العداوات والحروب ليعودوا لمثله (تبغونها عوجا) تطلبون لها اعوجاجا وميلا عن القصد والاستقامة. فإن قلت: كيف تبغونها عوجا وهو محال.
قلت: فيه معنيان: أحدهما أنكم تلبسون على الناس حتى توهموهم أن فيها عوجا بقولكم إن شريعة موسى لا تنسخ وبتغييركم صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وجهها ونحو ذلك. والثاني أنكم تتعبون أنفسكم في إخفاء الحق وابتغاء ما لا يتأتى لكم من وجوه العوج فيما هو أقوم من كل مستقيم (وأنتم شهداء) أنها سبيل الله التي لا يصد عنها إلا ضال مضل، أو وأنتم شهداء بين أهل دينكم عدول يثقون بأقوالكم ويستشهدونكم في عظائم أمورهم وهم
(٤٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 444 445 446 447 448 449 450 451 452 453 454 ... » »»