الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٣٦
والله يعلم وأنتم لا تعلمون. ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين. إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين. ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون. يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون. يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون.
وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون.
____________________
وعن الأخفش ها أنتم هو آأنتم على الاستفهام فقلبت الهمزة هاء، ومعنى الاستفهام التعجب من حماقتهم، وقيل هؤلاء بمعنى الذين وحاججت صلته (والله يعلم) علم ما حاججتم فيه (وأنتم) جاهلون به ثم أعلمهم بأنه برئ من دينكم وما كان إلا (حنيفا مسلما وما كان من المشركين) كما لم يكن منكم، أو أراد بالمشركين اليهود والنصارى لإشراكهم به عزيرا والمسيح (إن أولى الناس بإبراهيم) إن أخصهم به وأقربهم منه من الولي وهو القرب (للذين اتبعوه) في زمانه وبعده (وهذا النبي) خصوصا (والذين آمنوا) من أمته. وقرئ وهذا النبي بالنصب عطفا على الهاء في اتبعوه: أي اتبعوه واتبعوا هذا النبي وبالجر عطفا على إبراهيم (ودت طائفة) هو اليهود دعوا حذيفة وعمارا ومعاذا إلى اليهودية (وما يضلون إلا أنفسهم) وما يعود وبال الإضلال إلا عليهم، لأن العذاب يضاعف لهم بضلالهم وإضلالهم، أو وما يقدروا على إضلال المسلمين وإنما يضلون أمثالهم من أشياعهم (بآيات الله) بالتوراة والإنجيل وكفرهم بها أنهم لا يؤمنون بما نطقت به من صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرها، وشهادتهم اعترافهم بأنها آيات الله أو تكفرون بالقرآن ودلائل نبوة الرسول (وأنتم تشهدون) نعته في الكتابين أو تكفرون بآيات الله جميعا وأنتم تعلمون أنها حق. قرئ تلبسون بالتشديد، وقرأ يحيى بن وثاب تلبسون بفتح الباء: أي تلبسون الحق مع الباطل كقوله " كلابس ثوبي زور " وقوله * إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا * (وجه النهار) أوله قال:
من كان مسرورا بمقتل مالك * فليأت نسوتنا بوجه نهار والمعنى أظهروا الإيمان بما أنزل على المسلمين في أول النهار (واكفروا) به في آخره لعلهم يشكون في دينهم ويقولون ما رجعوا وهم أهل كتاب وعلم إلا لأمر قد تبين لهم فيرجعون برجوعكم. وقيل تواطأ اثنا عشر من أحبار يهود خيبر. وقال بعضهم لبعض: ادخلوا في دين محمد أول النهار من غير اعتقاد واكفروا به آخر النهار، وقولوا إنا نظرنا في كتبنا وشاورنا علماءنا فوجدنا محمدا ليس بذلك المنعوت وظهر لنا كذبه وبطلان دينه، فإذا فعلتم ذلك شك أصحابه في دينهم. وقيل هذا في شأن القبلة لما صرفت إلى الكعبة قال كعب بن الأشرف لأصحابه: آمنوا بما أنزل عليهم من الصلاة إلى الكعبة وصلوا إليها في أول النهار ثم اكفروا به في آخره وصلوا إلى الصخرة لعلهم
(٤٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 431 432 433 434 435 436 437 438 439 440 441 ... » »»