الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٤٢
وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه ترجعون. قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون. ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين. كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات
____________________
إلى المعبود الباطل. وروي أن أهل الكتاب اختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اختلفوا من دين إبراهيم عليه السلام، وكل واحد من الفريقين ادعى أنه أولى به، فقال صلى الله عليه وسلم: كلا الفريقين برئ من دين إبراهيم، فقالوا ما نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك فنزلت. وقرئ يبغون بالياء وترجعون بالتاء وهي قراءة أبي عمرو، لأن الباغين هم المتولون والراجعون جميع الناس، وقرئا بالياء ومعا وبالتاء معا (طوعا) بالنظر في الأدلة والإنصاف من نفسه (وكرها) بالسيف أو بمعاينة ما يلجئ إلى الإسلام كنتق الجبل على بني إسرائيل وإدراك الغرق فرعون والإشفاء على الموت - فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده - وانتصب طوعا وكرها على الحال بمعنى طائعين ومكرهين. أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يخبر عن نفسه وعمن معه بالإيمان فلذلك وحد الضمير في (قل) وجمع في (آمنا) ويجوز أن يؤمر بأن يتكلم عن نفسه كما يتكلم الملوك إجلالا من الله لقدر نبيه.
فإن قلت: لم عدي أنزل في هذه الآية بحرف الاستعلاء وفيما تقدم من مثلها بحرف الانتهاء؟ قلت: لوجود المعنيين جميعا لأن الوحي ينزل من فوق وينتهي إلى الرسل، فجاء تارة بأحد المعنيين وأخرى بالآخر، ومن قال إنما قيل علينا لقوله قل وإلينا لقوله قولوا تفرقة بين الرسول والمؤمنين لأن الرسول يأتيه الوحي على طريق الاستعلاء ويأتيهم على وجه الانتهاء فقد تعسف، ألا ترى إلى قوله - بما أنزل إليك - وأنزلنا إليك الكتاب، وإلى قوله - آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا - (ونحن له مسلمون) موحدون مخلصون أنفسنا له لا نجعل له شريكا في عبادتها ثم قال (ومن يبتغ غير الإسلام) يعني التوحيد وإسلام الوجه لله تعالى (دينا فلن يقبل منه - من الخاسرين) من الذين وقعوا في الخسران مطلقا من غير تقييد للشياع. وقرئ - ومن يبتغ غير الإسلام - بالإدغام (كيف يهدي الله قوما) كيف يلطف بهم وليسوا من أهل اللطف لما علم الله من تصميمهم على كفرهم ودل على تصميمهم بأنهم كفروا بعد إيمانهم وبعد ما شهدوا بأن الرسول حق وبعد ما جاءتهم الشواهد من القرآن وسائر المعجزات التي تثبت بمثلها النبوة وهم اليهود كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كانوا مؤمنين به، وذلك حين عاينوا ما يوجب قوة إيمانهم من البينات. وقيل نزلت في رهط كانوا أسلموا ثم رجعوا عن الإسلام ولحقوا بمكة، منهم طعمة بن أبيرق ووحوح ابن الأسلت والحرث بن سويد بن الصامت. فإن قلت: علام عطف قوله (وشهدوا)؟ قلت: فيه وجهان أن يعطف على ما في إيمانهم من معنى الفعل لأن معناه بعد أن آمنوا كقوله تعالى - فأصدق وأكن - وقول الشاعر:
* ليسوا مصلحين عشيرة * ولا ناعب. ويجوز أن تكون الواو للحال بإضمار قد بمعنى كفروا وقد شهدوا أن
(٤٤٢)
مفاتيح البحث: الخسران (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 437 438 439 440 441 442 443 444 445 446 447 ... » »»