الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٣٥
وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم. فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين. قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون.
يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون. ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم
____________________
اسم إن وخبرها، وإما مبتدأ، والقصص الحق خبره والجملة خبر إن. فإن قلت: لم جاز دخول اللام على الفصل؟ قلت: إذا جاز دخولها على الخبر كان دخولها على الفصل أجوز لأنه أقرب إلى المبتدأ منه وأصلها أن تدخل على المبتدأ، و" من " في قوله (وما من إله إلا الله) بمنزلة البناء على الفتح في لا إله إلا الله في إفادة معنى الاستغراق، والمراد الرد على النصارى في تثليثهم (فإن الله عليم بالمفسدين) وعيد لهم بالعذاب المذكور في قوله - زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون - (يا أهل الكتاب) قيل هم أهل الكتابين وقيل وفد نجران وقيل يهود المدينة (سواء بيننا وبينكم) مستوية بيننا وبينكم لا يختلف فيها القرآن والتوراة والإنجيل، وتفسير الكلمة قوله (ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) يعني تعالوا إليها لا نقول عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله لأن كل واحد منهما بعضنا بشر مثلنا، ولا نطيع أحبارنا فيما أحدثوا من التحريم والتحليل من غير رجوع إلى ما شرع الله كقوله تعالى - اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا - وعن عدي بن حاتم " ما كنا نعبدهم يا رسول الله قال: أليس كانوا يحلون لكم ويحرمون فتأخذون بقولهم؟ قال نعم، قال هو ذاك " وعن الفضيل: لا أبالي أطعت مخلوقا في معصية الخالق، أو صليت لغير القبلة. وقرئ كلمة بسكون اللام، وقرأ الحسن سواء بالنصب بمعنى استوت استواء (فإن تولوا) عن التوحيد (فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) أي لزمتكم الحجة فوجب عليكم أن تعترفوا وتسلموا بأنا مسلمون دونكم كما يقول الغالب للمغلوب في جدال أو صراع أو غيرهما اعترف بأني أنا الغالب وسلم لي الغلبة، ويجوز أن يكون من باب التعريض ومعناه: اشهدوا واعترفوا بأنكم كافرون حيث توليتم عن الحق بعد ظهوره. زعم كل فريق من اليهود والنصارى أن إبراهيم كان منهم وجادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فيه، فقيل لهم إن اليهودية إنما حدثت بعد نزول التوراة والنصرانسة بعد نزول الإنجيل، وبين إبراهيم وموسى ألف سنة وبينه وبين عيسى ألفان، فكيف يكون إبراهيم على دين لم يحدث إلا بعد عهده بأزمنة متطاولة (أفلا تعقلون) حتى لا تجادلوا مثل هذا الجدال المحال (ها أنتم هؤلاء) ها للتنبيه وأنتم مبتدأ وهؤلاء خبره و (حاججتم) جملة مستأنفة مبينة للجملة الأولى، يعني أنتم هؤلاء الأشخاص الحمقى وبيان حماقتكم وقلة عقولكم أنكم جادلتم (فيما لكم به علم) مما نطق به التوراة والإنجيل (فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم) ولا ذكر له في كتابيكم من دين إبراهيم.
(٤٣٥)
مفاتيح البحث: أهل الكتاب (2)، العزّة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 430 431 432 433 434 435 436 437 438 439 440 ... » »»