الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٤١
لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين. فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون. أفغير دين الله يبغون
____________________
كما تقول ميثاق الله وعهد الله كأنه قيل: وإذ أخذ الله الميثاق الذي وثقه الأنبياء على أممهم. والثالث أن يراد ميثاق أولاد النبيين وهم بنو إسرائيل على حذف المضاف. والرابع أن يراد أهل الكتاب وأن يرد على زعمهم تهكما بهم لأنهم كانوا يقولون: نحن أولى بالنبوة من محمد لأنا أهل الكتاب ومنا كان النبيون، وتدل عليه قراءة أبي وابن مسعود " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب " واللام في (لما آتيتكم) لا التوطئة لأن أخذ الميثاق في معنى الاستحلاف وفي لتؤمنن لام جواب القسم، وما يحتمل أن تكون المتضمنة لمعنى الشرط، ولتؤمنن سا مسد جواب القسم والشرط جميعا، وأن تكون موصولة بمعنى الذي آتيتكموه لتؤمنن به. وقرئ لما آتيتكم، وقرأ حمزة لما آتيتكم بكسر اللام، ومعناه: لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة، ثم لمجئ رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به على أن ما مصدرية والفعلان معها، أعني آتيتكم وجاءكم في معنى المصدرين، واللام داخلة للتعليل على معنى أخذ الله ميثاقهم لتؤمنن بالرسول ولتنصرنه لأجل أني آتيتكم الحكمة، وأن الرسول الذي آمركم بالإيمان به ونصرته موافق لكم غير مخالف، ويجوز أن تكون ما موصولة. فإن قلت: كيف يجوز ذلك والعطف على آتيتكم وهو قوله ثم جاءكم لا يجوز أن يدخل تحت حكم الصفة لأنك لا تقول للذي جاءكم رسول مصدق لما معكم؟
قلت: بلى لأن ما معكم في معنى ما آتيتكم، فكأنه قيل للذي آتيتكموه وجاءكم رسول مصدق له. وقرأ سعيد بن جبير لما بالتشديد بمعنى حين آتيتكم بعض الكتاب والحكمة ثم جاءكم رسول مصدق له وجب عليكم الإيمان به ونصرته، وقيل أصله لمن من فاستثقلوا اجتماع ثلاث ميمات وهي الميمان والنون المنقلبة ميما بإدغامها في الميم فحذفوا إحداها فصارت لما ومعناها: لمن أجل ما آتيتكم لتؤمنن به وهذا نحو من قراءة حمزة في معنى (إصري) عهدي.
وقرئ أصري بالضم، وسمي إصرا لأنه ما يؤصر: أي يشد ويعقد، ومنه الإصار الذي يعقد به، ويجوز أن يكون المضموم لغة في إصر كعبر وعبر وأن يكون جمع إصار (فاشهدوا) فليشهد بعضكم على بعض بالإقرار (وأنا على ذلكم) من إقراركم وتشاهدكم (من الشاهدين) وهذا توكيد عليهم وتحذير من الرجوع إذا علموا بشهادة الله وشهادة بعضهم على بعض، وقيل الخطاب للملائكة (فمن تولى بعد ذلك) الميثاق والتوكيد (فأولئك هم الفاسقون) أي المتمردون من الكفار. دخلت همزة الإنكار على الفاء العاطفة جملة على جملة، والمعنى: فأولئك هم الفاسقون فغير دين الله يبغون ثم توسطت الهمزة بينهما، ويجوز أن يعطف على محذوف تقديره (أ) يتولون (فغير دين الله يبغون) وقدم المفعول الذي هو غير دين الله على فعله لأنه أهم من حيث إن الإنكار الذي هو معنى الهمزة متوجه
(٤٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 436 437 438 439 440 441 442 443 444 445 446 ... » »»