الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٣٣
فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون. فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين. وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فنوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين. ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم. إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خقله من تراب ثم قال له كن فيكون. الحق من ربك فلا تكن من الممترين. فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا
____________________
توفيت مالي على فلان إذا استوفيته، وقيل مميتك في وقتك بعد النزول من السماء ورافعك الآن، وقيل متوفى نفسك بالنوم من قوله - والتي لم تمت في منامها - ورافعك وأنت نائم حتى لا يلحقك خوف تستيقظ وأنت في السماء آمن مقرب (فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة) يعلونهم بالحجة وفي أكثر الأحوال بها وبالسيف ومتبعوه هم المسلمون لأنهم متبعوه في أصل الإسلام وإن اختلفت الشرائع دون الذين كذبوه وكذبوا عليه من اليهود والنصارى (فأحكم بينكم) تفسير الحكم قوله (فأعذبهم - فنوفيهم أجورهم) وقرئ فيوفيهم بالياء (ذلك) إشارة إلى ما سبق من نبأ عيسى وغيره وهو مبتدأ خبره (نتلوه) و (من الآيات) خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف ويجوز أن يكون ذلك بمعنى الذي ونتلوه صلته ومن الآيات الخبر، ويجوز أن ينتصب ذلك بمضمر يفسر نتلوه (والذكر الحكيم) القرآن وصف بصفة من هو بسببه، أو كأنه ينطق بالحكمة لكثرة حكمه (إن مثل عيسى) إن شأن عيسى وحاله الغريبة كشأن آدم وقوله (خلقه من تراب) جملة مفسرة لما له شبه عيسى بآدم: أي خلق آدم من تراب ولم يكن ثمة أب ولا أم فكذلك حال عيسى. فإن قلت: كيف شبه به وقد وجد هو بغير أب ووجد آدم بغير أب وأم؟ قلت: هو مثيله في أحد الطرفين فلا يمنع اختصاصه دونه بالطرف الآخر من تشبيهه به، لأن المماثلة مشاركة في بعض الأوصاف ولأنه شبه به في أنه وجد وجودا خارجا عن العادة المستمرة وهما في ذلك نظيران، ولأن الوجود من غير أب وأم أغرب وأخرق للعادة من الوجود من غير أب، فشبه الغريب بالأعرب ليكون أقطع للخصم وأحسم لمادة شبهته إذا نظر فيما هو أغرب مما استغربه. وعن بعض العلماء أنه أسر بالروم فقال لهم:
لم تعبدون عيسى؟ قالوا لأنه لا أب له، قال فآدم أولى لأنه لا أبوين له، قالوا كان يحيي الموتى، قال فحزقيل أولى لأن عيسى أحيا أربعة نفر وأحيا حزقيل ثمانية آلاف، فقالوا كان يبرئ الأكمه والأبرص، قال فجرجيس أولى لأنه طبخ وأخرق ثم قام سالما. " خلقه من تراب " قدره جسدا من طين (ثم قال له كن) أي أنشأه بشرا كقوله:
- ثم أنشأناه خلقا آخر - (فيكون حكاية حال ماضية) الحق من ربك خبر مبتدأ محذوف: أي هو الحق كقول أهل خيبر محمد والخميس، ونهيه عن الامتراء وجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون ممتريا من باب التهييج لزيادة الثبات والطمأنينة وأن يكون لطفا لغيره (فمن حاجك) من النصارى (فيه) في عيسى (من بعد ما جاءك من العلم) أي من البينات الموجبة للعلم (تعالوا) هلموا والمراد المجئ بالرأي والعزم كما تقول تعال نفكر في هذه
(٤٣٣)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 428 429 430 431 432 433 434 435 436 437 438 ... » »»