الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤١٧
خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد. الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار. الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار. شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم.
____________________
البدل من خير (والله بصير بالعباد) يثيب ويعاقب على الاستحقاق، أو بصير بالذين اتقوا وبأحوالهم فلذلك أعد لهم الجنات (الذين يقولون) نصب على المدح أو رفع، ويجوز الجر صفة للمتقين أو للعباد. والواو المتوسطة بين الصفات للدلالة على كمالهم في كل واحدة منها، وقد مر الكلام في ذلك. وخص الأسحار لأنهم كانوا يقدمون قيام الليل فيحسن طلب الحاجة بعده - إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه - وعن الحسن كانوا يصلون في أول الليل حتى إذا كان السحر أخذوا في الدعاء والاستغفار هذا نهارهم وهذا ليلهم. شبهت دلالته على وحدانيته بأفعاله الخاصة التي لا يقدر عليها غيره وبما أوحى من آياته الناطقة بالتوحيد كسورة الإخلاص وآية الكرسي وغيرهما بشهادة الشاهد في البيان والكشف، وكذلك إقرار الملائكة وأولي العلم بذلك واحتجاجهم عليه (قائما بالقسط) مقيما للعدل فيما يقسم من الأرزاق والآجال ويثيب ويعاقب وما يأمر به عباده من إنصاف بعضهم لبعض والعمل على السوية فيما بينهم، وانتصابه على أنه حال مؤكدة منه كقوله: وهو الحق مصدقا. فإن قلت: لم جاز إفراده بنصب الحال دون المعطوفين عليه، ولو قلت جاءني زيد وعمرو راكبا لم يجز. قلت: إنما جاز لهذا لعدم الإلباس كما جاء في قوله - ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة - إن انتصبت نافلة حالا عن يعقوب، ولو قلت: جاءني زيد وهند راكبا جاز لتميزه بالذكورة أو على المدح. فإن قلت: أليس من حق المنتصب على المدح أن يكون معرفة كقولك الحمد لله الحميد " إنا معشر الأنبياء لا نورث " * إنا بني نهشل لا ندعى لأب * قلت: قد جاء نكرة كما جاء معرفة وأنشد سيبويه فيما جاء منه نكرة قول الهذلي:
ويأوي إلى نسوة عطل * وشعثا مراضيع مثل السعالي فإن قلت: هل يجوز أن يكون صفة للمنفي كأنه قيل لا إله قائما بالقسط إلا هو. قلت: لا يبعد فقد رأيناهم يتسعون في الفصل بين الصفة والموصوف. فإن قلت: قد جعلته حالا من فاعل شهد فهل يصح أن ينتصب حالا عن هو في لا إله إلا هو؟ قلت: نعم لأنها حال مؤكدة، والحال المؤكدة لا تستدعي أن يكون في الجملة التي هي زيادة في فائدتها عامل فيها كقولك: أنا عبد الله شجاعا، وكذلك لو قلت: لا رجل إلا عبد الله شجاعا وهو أوجه من انتصابه عن فاعل شهد وكذلك انتصابه على المدح. فإن قلت: هل دخل قيامه بالقسط في حكم شهادة الله والملائكة وأولي العلم كما دخلت الوحدانية. قلت: نعم إذا جعلته حالا من هو أو نصبا على المدح منه أو صفة للمنفي كأنه قيل: شهد الله والملائكة وأولوا العلم أنه لا إله إلا هو وأنه قائم بالقسط، وقرأ عبد الله القائم بالقسط على أنه بدل من هو أو خبر مبتدأ محذوف، وقرأ أبو حنيفة قيما بالقسط (العزيز الحكيم) صفتان مقررتان لما وصف به ذاته من الوحدانية والعدل: يعني أنه العزيز الذي لا يغالبه إله آخر، الحكيم الذي لا يعدل عن العدل في أفعاله. فإن
(٤١٧)
مفاتيح البحث: الشهادة (1)، العزّة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 412 413 414 415 416 417 418 419 420 421 422 ... » »»