الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٠٦
الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شئ قدير آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه
____________________
الذي ائتمنه عليه فلم يرتهن منه، وسمى الدين أمانة وهو مضمون لائتمانه عليه بترك الارتهان منه، والقراءة أن تنطق بهمزة ساكنة بعد الذال أو ياء فتقول الذي اؤتمن أو الذي تمن، وعن عاصم أنه قرأ الذي اتمن بإدغام الياء في التاء قياسا على أتسر في الافتعال من اليسر، وليس بصحيح لان الياء منقلبة عن الهمزة فهي في حكم الهمزة، واتزر عامي وكذلك ريا في رؤيا (آثم) خبر إن، و (قلبه) رفع بآثم على الفاعلية كأنه قيل فإنه يأثم قلبه، ويجوز أن يرتفع قلبه بالابتداء، وآثم خبر مقدم، والجملة خبر إن. فإن قلت: هلا اقتصر على قوله فإنه آثم وما فائدة ذكر القلب، والجملة هي الاثمة لا القلب وحده؟ قلت: كتمان الشهادة هو أن يضمرها ولا يتكلم بها، فلما كان إثما مقترنا بالقلب أسند إليه لان إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ، ألا تراك تقول: إذا أردت التوكيد هذا مما أبصرته عيني ومما سمعته أذني ومما عرفه قلبي ولان القلب هو رئيس الأعضاء والمضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله، فكأنه قيل فقد تمكن الاثم في أصل نفسه وملك أشرف مكان فيه، ولئلا يظن أن كتمان الشهادة من الآثام المتعلقة باللسان فقط، وليعلم أن القلب أصل متعلقه ومعدن اقترانه واللسان ترجمان عنه، ولان أفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح وهى لها كالأصول التي تتشعب منها، ألا ترى أن أصل الحسنات والسيئات الايمان والكفر وهما من أفعال القلوب، فإذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب فقد شهد له بأنه من معاظم الذنوب. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أكبر الكبائر الاشراك بالله لقوله تعالى - فقد حرم الله عليه الجنة - وشهادة الزور وكتمان الشهادة، وقرئ قلبه بالنصب كقوله - سفه نفسه - وقرأ ابن أبي علبة أثم قلبه: أي جعله إثما (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه) يعنى من السوء (يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء) لمن استوجب المغفرة بالتوبة مما أظهر منه أو أضمره (ويعذب من يشاء) ممن استوجب العقوبة بالاصرار ولا
(٤٠٦)
مفاتيح البحث: الشهادة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 401 402 403 404 405 406 407 408 409 410 411 ... » »»