الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٠٣
وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا
____________________
نهى عن الامتناع من الكتابة على سبيل الاطلاق ثم أمر بها مقيدة (وليملل الذي عليه الحق) ولا يكن المملى إلا من وجب عليه الحق لأنه هو المشهود على ثباته في ذمته وإقراره به، والاملاء والاملال لغتان قد نطق بهما القرآن (فهي تملى عليه) (ولا يبخس منه) من الحق (شيئا) والبخس النقص، وقرئ شيا بطرح الهمزة وشيا بالتشديد (سفيها) محجورا عليه لتبذيره وجهله بالتصرف (أو ضعيفا) صبيا أو شيخا مختلا (أولا يستطيع أن يمل هو) أو غير مستطيع للاملاء بنفسه لعى به أو خرس (فليملل وليه) الذي يلي أمره من وصى إن كان سفيها أو صبيا أو وكيل إن كان غير مستطيع أو ترجمان يمل عنه وهو يصدقه، وقوله تعالى - أن يمل هو - فيه أنه غير مستطيع بنفسه ولكن بغيره وهو الذي يترجم عنه (واستشهدوا شهيدين) واطلبوا أن يشهد لكم شهيدان على الدين (من رجالكم) من رجال المؤمنين والحرية والبلوغ شرط مع الاسلام عند عامة العلماء، وعن علي رضي الله عنه لا تجوز شهادة العبد في شئ، وعند شريح وابن سيرين وعثمان البتي أنها جائزة، ويجوز عند أبي حنيفة شهادة الكفار بعضهم على بعض على اختلاف الملل (فإن لم يكونا) فإن لم يكن الشهيدان (رجلين فرجل وامرأتان) فليشهد رجل وامرأتان، وشهادة النساء مع الرجال مقبولة عند أبي حنيفة فيما عدا الحدود والقصاص (ممن ترضون) ممن تعرفون عدالتهم (أن تضل إحداهما) أن لا تهتدى إحداهما للشهادة بأن تنساها من ضل الطريق إذا لم يهتد له وانتصابه على أنه مفعول له: أي إرادة أن تضل. فإن قلت: كيف يكون ضلالها مرادا لله تعالى؟ قلت: لما كان الضلال سببا للاذكار والاذكار مسببا عنه وهم ينزلون كل واحد من السبب والمسبب منزلة الاخر لالتباسهما واتصالهما كانت إرادة الضلال المسبب عنه الاذكار إرادة للاذكار فكأنه قيل إرادة أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت، ونظيره قولهم أعددت الخشبة أن يميل الحائط فأدعمه، وأعددت السلاح أن يجئ عدو فأدفعه، وقرئ (فتذكر) بالتخفيف والتشديد وهما لغتان وفتذاكر، وقرأ حمزة إن تضل إحداهما على الشرط فتذكر بالرفع والتشديد كقوله - ومن عاد فينتقم الله منه - وقرئ أن تضل إحداهما على البناء للمفعول والتأنيث، ومن بدع التفاسير فتذكر فتجعل إحداهما الأخرى ذكرا، يعنى أنهما إذا اجتمعتا كانتا بمنزلة الذكر (إذا ما دعوا) ليقيموا الشهادة، وقيل ليستشهدوا، وقيل لهم شهداء قبل التحمل تنزيلا لما يشارف منزلة الكائن. وعن قتادة كان الرجل يطوف في الحواء العظيم فيه القوم فلا يتبعه منهم أحد فنزلت. كنى بالسأم عن الكسل لان الكسل صفة المنافق، ومنه الحديث (لا يقول المؤمن كسلت) ويجوز أن يراد من كثرة مدايناته فاحتاج أن يكتب لكل دين صغير أو كبير كتابا فربما مل كثرة الكتب. والضمير في (تكتبوه) للدين أو الحق (صغيرا أو كبيرا) على أي حال كان الحق من صغير
(٤٠٣)
مفاتيح البحث: الشهادة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 398 399 400 401 402 403 404 405 406 407 408 ... » »»