الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٧٤
حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى
____________________
أنهى، ومعناه: ولا تعزموا عقدة النكاح، وقيل معناه: ولا تقطعوا عقدة النكاح. وحقيقة العزم القطع بدليل قوله عليه الصلاة والسلام (لا صيام لمن لم يعزم الصيام من الليل) وروى (لم يبيت الصيام) (حتى يبلغ الكتاب أجله) يعنى ما كتب وفرض من العدة (يعلم ما في أنفسكم) من العزم على مالا يجوز (فاحذروه) ولا تعزموا عليه (غفور حليم) لا يعاجلكم بالعقوبة (لا جناح عليكم) لا تبعة عليكم من إيجاب مهر (إن طلقتم النساء مالم تمسوهن) مالم تجامعوهن (أو تفرضوا لهن فريضة) إلا أن تفرضوا لهن فريضة أو حتى تفرضوا، وفرض الفريضة تسمية المهر. وذلك أن المطلقة غير المدخول بها إن سمى لها مهر فلها نصف المسمى، وإن لم يسم لها فليس لها نصف مهر المثل ولكن المتعة، والدليل على أن الجناح تبعة المهر قوله - وإن طلقتموهن - إلى قوله - فنصف ما فرضتم - فقوله فنصف ما فرضتم - إثبات للجناح المنفى ثمة. والمتعة درع وملحفة وخمار على حسب الحال عند أبي حنيفة، إلا أن يكون مهر مثلها أقل من ذلك فلها الأقل من نصف مهر المثل ومن المتعة، ولا ينقص عن خمسة دراهم لان أقل المهر عشرة دراهم فلا ينقص من نصفها، و (الموسع) الذي له سعة، و (المقتر) الضيق الحال، و (قدره) مقداره الذي يطيقه لان ما يطيقه هو الذي يختص به. وقرئ بفتح الدال والقدر والقدر لغتان، وعن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه قال لرجل من الأنصار تزوج امرأة ولم يسم لها مهرا ثم طلقها قبل أن يمسها أمتعتها؟ قال: لم يكن عندي شئ، قال متعها بقلنسوتك. وعند أصحابنا لا تجب المتعة إلا لهذه وحدها وتستحب لسائر المطلقات ولا تجب (متاعا) تأكيد لمتعوهن بمعنى تمتيعا (بالمعروف) بالوجه الذي يحسن في الشرع والمروءة (حقا) صفة لمتاعا: أي متاعا واجبا عليهم أو حق ذلك حقا (على المحسنين) على الذين يحسنون إلى المطلقات بالتمتيع، وسماهم قبل الفعل محسنين كما قال صلى الله عليه وسلم (من قتل قتيلا فله سلبه) (إلا أن يعفون) يريد المطلقات. فان قلت: أي فرق بين قولك الرجال يعفون والنساء يعفون؟ قلت: الواو في الأول ضميرهم والنون علم الرفع والواو في الثاني لام الفعل والنون ضميرهن والفعل مبنى لا أثر في لفظه للعامل وهو في محل النصب، ويعفو عطف على محله، و (الذي بيده عقدة النكاح) الولي يعنى إلا أن تعفو المطلقات عن أزواجهن فلا يطالبنهم بنصف المهر، وتقول المرأة: ما رآني ولا خدمته
(٣٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 ... » »»