الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٧٣
أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح
____________________
للمضياف. والتعريض أن تذكر شيئا تدل به على شئ لم تذكره كما يقول المحتاج إليه: جئتك لاسلم عليك ولأنظر إلى وجهك الكريم، ولذلك قالوا * وحسبك بالتسليم منى تقاضيا * وكأنه إمالة الكلام إلى عرض يدل على الغرض، ويسمى التلويح لأنه يلوح منه ما يريده (أو أكنتم في أنفسكم) أو سترتم وأضمرتم في قلوبكم فلم تذكروه بألسنتكم لا معرضين ولا مصرحين (علم الله أنكم ستذكرونهن) لا محالة ولا تنفكون عن النطق برغبتكم فيهن ولا تصبرون عنه، وفيه طرف من التوبيخ كقوله - علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم - فان قلت: أين المستدرك بقوله (ولكن لا تواعدوهن) قلت: هو محذوف لدلالة ستذكرونهن عليه تقديره: علم الله أنكم ستذكرونهن فاذكروهن ولكن لا تواعدوهن سرا، والسر وقع كناية عن النكاح الذي هو الوطء لأنه مما يسر. قال الأعشى:
ولا تقربن جارة إن سرها عليك حرام فانكحن أو تأبدا ثم عبر به عن النكاح الذي هو العقد لأنه سبب فيه كما فعل بالنكاح (إلا أن تقولوا قولا معروفا) وهو أن تعرضوا ولا تصرحوا. فان قلت: بم يتعلق حرف الاستثناء؟ فقلت: بلا تواعدوهن: أي لا تواعدوهن مواعدة قط إلا مواعدة معروفة غير منكرة، أو لا تواعدوهن إلا بأن تقولوا: أي لا تواعدوهن إلا بالتعريض، ولا يجوز أن يكون استثناء منقطعا من (سرا) لأدائه إلى قولك (لا تواعدوهن) إلا التعريض. وقيل معناه: لا تواعدوهن جماعا وهو أن يقول لها: إن نكحتك كان كيت وكيت، يريد ما يجرى بينهما تحت اللحاف - إلا أن تقولوا قولا معروفا - يعنى من غير رفث ولا إفحاش في الكلام، وقيل لا تواعدوهن سرا: أي في السر، على أن المواعدة في السر عبارة عن المواعدة بما يستهجن لان مسارتهن في الغالب بما يستحيا من المجاهرة به. وعن ابن عباس رضي الله عنهما إلا أن تقولوا قولا معروفا هو أن يتواثقا أن لا تتزوج غيره (ولا تعزموا عقدة النكاح) من عزم الامر وعزم عليه، وذكر العزم مبالغة في النهى عن عقد النكاح في العدة لان العزم على الفعل يتقدمه، فإذا نهى عنه كان عن الفعل
(٣٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 ... » »»