الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٥٧
قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم
____________________
استحل محمد الشهر الحرام شهرا يأمن فيه الخائف ويبذعر فيه الناس إلى معايشهم، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم العير وعظم ذلك على أصحاب السرية وقالوا: ما نبرح حتى تنزل توبتنا،، ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسارى. وعن ابن عباس رضي الله عنه. لما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنيمة.
والمعنى: يسألك الكفار أو المسلمون عن القتال في الشهر الحرام، و) (قتال فيه) بدل الاشتمال من الشهر. وفى قراءة عبد الله، عن قتال فيه، على تكرير العامل كقوله - الذين استضعفوا لمن آمن منهم - وقرأ عكرمة قتل فيه - قل قتل فيه كبير - أي إثم كبير. وعن عطاء أنه سئل عن القتال في الشهر الحرام فحلف بالله ما يحل بالناس أن يغزوا في الحرم ولا في الشهر الحرام الا أن يقاتلوا فيه وما نسخت. وأكثر الأقاويل على أنها منسوخة بقوله - فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم - (وصد عن سبيل الله) مبتدأ وأكبر خبره، يعنى وكبائر قريش من صدهم عن سبيل الله وعن المسجد الحرام وكفرهم بالله وإخراج أهل المسجد الحرام وهم رسول الله والمؤمنون (أكبر عند الله) مما فعلته السرية من القتال في الشهر الحرام على سبيل الخطأ والبناء على الظن (والفتنة) الاخراج أو الشرك، والمسجد الحرام عطف على سبيل الله، ولا يجوز أن يعطف على الهاء في به (ولا يزالون يقاتلونكم) إخبار عن دوام عداوة الكفار للمسلمين وأنهم لا ينفكون عنها حتى يردوهم عن دينهم، وحتى معناها التعليل كقولك: فلان يعبد الله حتى يدخل الجنة: أي يقاتلونكم كي يردوكم، و (إن استطاعوا) استبعاد لاستطاعتهم كقول الرجل لعدوه: إن ظفرت بي فلا تبق على وهو واثق بأنه لا يظفر به (ومن يرتدد منكم) ومن يرجع عن دينة إلى دينهم ويطاوعهم على رده إليه (فيمت) على الردة (فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة) لما يفوتهم باحداث الردة مما للمسلمين في الدنيا من ثمرات الاسلام وباستدامتها والموت عليها من ثواب الآخرة، وبها احتج الشافعي على أن الردة لا تحبط الأعمال حتى يموت عليها، وعند أبي حنيفة أنها تحبطها وان رجع مسلما (إن الذين امنوا والذين هاجروا) روى أن عبد الله بن جحش وأصحابه حين قتلوا الحضري ظن قوم أنهم إن سلموا من الاثم فليس لهم أجر فنزلت (أولئك يرجون رحمة الله) وعن قتادة هؤلاء خيار هذه الأمة، ثم جعلهم الله أهل رجاء كما تسمعون، وإنه من رجا طلب
(٣٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 352 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 ... » »»