الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٥٢
لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة
____________________
ويجوز أن يقع التخيير بين الفاضل والأفضل كما خير المسافر بين الصوم والافطار وإن كان الصوم أفضل. وقيل إن أهل الجاهلية كانوا فريقين: منهم من جعل المتعجل آثما، ومنهم من جعل المتأخر آثما، فورد القرآن بنفي المأثم عنهما جميعا (لمن اتقى) أي ذلك التخيير ونفى الاثم عن المتعجل والمتأخر لأجل الحاج المتقى لئلا يتخالج في قلبه شئ منهما فيحسب أن أحدهما يرهق صاحبه آثام في الاقدام عليه، لأن ذا التقوى حذر متحذر من كل ما يريبه، ولأنه هو الحاج على الحقيقة عند الله، ثم قال (واتقوا الله) ليعبأبكم، ويجوز أن يراد ذلك الذي مر ذكره من أحكام الحج وغيره لمن اتقى لأنه هو المنتفع به دون من سواه كقوله - ذلك خير للذين يريدون وجه الله - (من يعجبك قوله) أي يروقك ويعظم في قلبك، ومنه الشئ العجيب الذي يعظم في النفس، وهو الأخنس بن شريق، كان رجلا حلو المنطق إذا لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ألان له القول وادعى أنه يحبه وأنه مسلم وقال يعلم الله أنى صادق. وقيل هو عام في المنافقين كانت تحلو لي ألسنتهم وقلوبهم أمر من الصبر. فان قلت: بم يتعلق قوله (في الحياة الدنيا)؟ قلت: بالقول أي يعجبك ما يقوله في معنى الدنيا، لأن ادعاء المحبة بالباطل يطلب به حظا من حظوظ الدنيا ولا يريد به الآخرة كما تراد بالايمان الحقيقي والمحبة الصادقة للرسول، فكلامه إذن في الدنيا لا في الآخرة، ويجوز أن يتعلق بيعجبك: أي قوله حلو فصيح في الدنيا فهو يعجبك، ولا يعجبك في الآخرة لما يرهقه في الموقف من الحبسة واللكنة، أو لأنه لا يؤذن له في الكلام فلا يتكلم حتى يعجبك كلامه (ويشهد الله على ما في قلبه) أي يحلف ويقول: الله شاهد على ما في قلبي من محبتك ومن الإسلام، وقرئ ويشهد الله، وفى مصحف أبى ويستشهد الله (وهو ألد الخصام) وهو شديد الجدال والعداوة للمسلمين، وقيل كان بينه وبين ثقيف خصومة فبيتهم ليلا وأهلك مواشيهم وأحرق زروعهم. والخصام المخاصمة، وإضافة الألد بمعنى في كقولهم ثبت الغدر أو جعل الخصام ألد على المبالغة. وقيل الخصام جمع خصم كصعب وصعاب بمعنى وهو أشد الخصوم خصومة (إذا تولى) عنك وذهب بعد إلانة القول وإخلاء المنطق (سعى في الأرض ليفسد فيها) كما فعل بثقيف، وقيل وإذا تولى وإذا كان واليا فعل ما يفعله ولاة السوء من الفساد في الأرض باهلاك الحرث والنسل، وقيل يظهر الظلم حتى يمنع الله بشؤم ظلمة القطر فيهلك الحرث والنسل. وقرئ ويهلك الحرث والنسل على أن الفعل للحرث والنسل والرفع للعطف على سعى. وقرأ الحسن بفتح اللام وهى لغة نحو أبى يأبى، وروى ويهلك على البناء للمفعول (أخذته العزة بالاثم) من قولك أخذته بكذا إذا حملته عليه وألزمته إياه: أي حملته العزة التي فيه وحمية الجاهلية على الإثم الذي ينهى عنه وألزمته ارتكابه وأن لا يخلى عنه ضرارا ولجاجا، أو على رد قول الواعظ (يشرى نفسه) يبيعها أي يبذلها في الجهاد، وقيل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حتى يقتل، وقيل
(٣٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 357 ... » »»