الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٦٢
إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم
____________________
وحلله لكم وهو القبل (إن الله يحب التوابين) مما عسى يندر منهم من ارتكاب ما نهوا عنه من ذلك (ويحب المتطهرين) المتنزهين عن الفواحش، أو إن الله يحب التوابين الذين يطهرون أنفسهم بطهرة التوبة من كل ذنب، ويحب المتطهرين من جميع الأقذار كمجامعة الحائض والطاهر قبل الغسل وإتيان ما ليس بمباح وغير ذلك (حرث لكم) مواضع حرث لكم وهذا مجاز، شبههن بالمحارث تشبيها لما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل بالبذور، وقوله (فأتوا حرثكم أنى شئتم) تمثيل: أي فأتوهن كما تأتون أراضيكم التي تريدون أن تحرثوها من أي جهة شئتم لا تحظر عليكم جهة دون جهة. والمعنى: جامعوهن من أي شق أردتم بعد أن يكون المأتي واحدا وهو موضع الحرث، وقوله - هو أذى فاعتزلوا النساء - من حيث أمركم الله - فأتوا حرثكم أنى شئتم - من الكنايات اللطيفة والتعريضات المستحسنة، وهذه وأشباهها في كلام الله آداب حسنة على المؤمنين أن يتعلموها ويتأدبوا بها ويتكلفوا مثلها في محاوراتهم ومكاتباتهم. وروى أن اليهود كانوا يقولون من جامع امرأته وهى مجبية من دبرها في قبلها كان ولدها أحول، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كذبت اليهود ونزلت (وقدموا لأنفسكم) ما يجب تقديمه من الأعمال الصالحة وما هو خلاف ما نهيتكم عنه. وقيل هو طلب الولد، وقيل التسمية على الوطء (واتقوا الله) فلا تجترئوا على المناهي (واعلموا أنكم ملاقوه) فتزودوا مالا تفتضحون به (وبشر المؤمنين) المستوجبين للمدح والتعظيم بترك القبائح وفعل الحسنات. فان قلت: ما موقع قوله - نساؤكم حرث لكم - مما قبله؟ قلت موقعه موقع البيان والتوضيح لقوله - فأتوهن من حيث أمركم الله - يعنى أن المأتي الذي أمركم الله به هو مكان الحرث ترجمة له وتفسيرا وإزالة الشبهة ودلالة على أن الغرض الأصيل في الاتيان هو طلب النسل لاقضاء الشهوة، فلا تأتوهن الا من المأتي الذي يتعلق به هذا الغرض. فان قلت: ما بال يسألونك جاء بغير واو ثلاث مرات ثم مع الواو ثلاثا؟ قلت: كان سؤالهم عن تلك الحوادث، الأول وقع في أحوال متفرقة فلم يؤت بحرف العطف لان كل واحد من السؤلات سؤال مبتدأ، وسألوا عن الحوادث الاخر في وقت واحد فجئ بحرف الجمع لذلك كأنه قيل: يجمعون لك بين السؤال عن الخمر والميسر والسؤال عن الانفاق والسؤال عن كذا وكذا. العرضة فعلة بمعنى مفعول كالقبضة والغرفة، وهى اسم ما تعرضه دون الشئ، من عرض العود على الاناء فيتعرض دونه ويصير حاجزا ومانعا منه، تقول فلان عرضة دون الخبر، والعرضة أيضا: المعرض للامر، قال:
*. فلا تجعلوا عرضة للوائم * ومعنى الآية على الأولى أن الرجل كان يحلف على بعض الخيرات من صلة رحم.
أو إصلاح ذات بين أو إحسان إلى أحد أو عبادة، ثم يقول: أخاف الله أن أحنث في يميني فيترك البر إرادة البر في يمينه فقيل لهم (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم) أي حاجزا لما حلفتم عليه: وسمى المجلوف عليه يمينا لتلبسه باليمين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة (إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك) أي على شئ مما يحلف عليه، وقوله (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا) عطف بيان لايمانكم: أي للأمور المحلوف عليها التي هي البر والتقوى والاصلاح بين الناس. فان قلت: بم تعلقت اللام في لأيمانكم؟
(٣٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 357 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 ... » »»