الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٥٩
وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون
____________________
إلى قوله - فهل أنتم منتهون - فقال عمر رضي الله عنه: انتهينا يا رب. وعن علي رضي الله عنه: لو وقعت قطرة في بئر فبنيت مكانها منارة لم أؤذن عليها، ولو وقعت في بحر ثم جف ونبت فيه الكلأ لم أرعه. وعن ابن عمر رضي الله عنهما : لو أدخلت أصبعي فيه لم تتبعني. وهذا هو الايمان حقا، وهم الذين اتقوا الله حق تقاته. والخمر ما غلا واشتد وقذف بالزبد من عصير العنب وهو حرام، وكذلك نقيع الزبيب أو التمر الذي لم يطبخ، فان طبخ حتى ذهب ثلثاه ثم غلا واشتد ذهب خبثه ونصيب الشيطان، وحل شربه ما دون السكر إذا لم يقصد بشربه اللهو والطرب عند أبي حنيفة. وعن بعض أصحابه: لان أقول مرارا هو حلال أحب إلى من أن أقول مرة هو حرام، ولان أخر من السماء فأتقطع قطعا أحب إلى من أن أتناول منه قطرة. وعند أكثر الفقهاء هو حرام كالخمر وكذلك كل ما أسكر من كل شراب، وسميت خمرا لتغطيتها العقل والتمييز كما سميت سكرا لأنها تسكرهما: أي تحجزهما وكأنها سميت بالمصدر من خمره خمرا إذا ستره للمبالغة. والميسر القمار مصدر من يسر كالموعد والمرجع من فعلهما، يقال يسرته إذا قمرته، واشتقاقه من اليسر لأنه أخذ مال الرجل بيسر وسهولة من غير كد ولا تعب، أو من اليسار لأنه سلب يساره، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: كان الرجل في الجاهلية يخاطر على أهله وماله قال:
* أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني * أي يفعلون بي ما يفعل الياسرون بالميسور. فان قلت: كيف صفة الميسر قلت: كانت لهم عشرة أقداح وهى الأزلام والأقلام الفذ والتوأم والرقيب والحلس والنافس والمسبل والمعلى والمنيح والسفيح والوغد، لكل واحد منها نصيب معلوم من جزور ينحرونها ويجزئونها عشرة أجزاء، وقيل ثمانية وعشرون إلا لثلاثة وهى المنيح والسفيح والوغد، ولبعضهم:
لي في الدنيا سهام ليس فيهن ربيح وأساميهن وغد وسفيح ومنيح للفذ سهم، وللتوأم سهمان، وللرقيب ثلاثة، وللحلس أربعة، وللنافس خمسة، وللمسبل ستة. وللمعلى سبعة، يجعلونها في الربابة وهى خريطة ويضعونها على يدي عدل ثم يجلجلها ويدخل يده فيخرج باسم رجل رجل قدحا منها (1) فمن خرج له قدح من ذوات الأنصباء أخذ النصيب الموسوم به ذلك القدح، ومن خرج له قدح مما لا نصيب له لم يأخذ شيئا وغرم ثمن الجزور كله، وكانوا يدفعون تلك الأنصباء إلى الفقراء ولا يأكلون منها ويفتخرون بذلك ويذمون من لم يدخل فيه ويسمونه البرم. وفى حكم الميسر أنواع القمار من النرد والشطرنج وغيرهما. وعن النبي صلى الله عليه واسلم (إياكم وهاتين اللعبتين المشؤمتين فإنهما من ميسر العجم) وعن علي رضي الله عنه أن النرد والشطرنج من الميسر. وعن ابن سيرين: كل شئ فيه خطر فهو من الميسر. والمعنى يسألونك عما في تعاطيهما بدليل قوله تعالى - قل فيهما إثم كبير - (وإثمهما) وعقاب الاثم في تعاطيهما (أكبر من نفعهما) وهو الالتذاذ بشرب الخمر والقمار والطرب فيهما والتواصل بهما إلى مصادقات الفتيان ومعاشرتهم والنيل من مطاعمهم ومشاربهم وأعطياتهم، وسلب الأموال بالقمار والافتخار على الابرام. وقرئ إثم كثير بالثاء.
وفى قراءة أبى وإثمهما أقرب، ومعنى الكثير أن أصحاب الشرب والقمار يقترفون فيهما الآثام من وجوه كثيره

(1) قوله (باسم رجل رجل قدحا منها) عبارة أبى السعود: باسم رجل رجل قدحا قدحا اه‍ مصححه.
(٣٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 ... » »»