الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٦٠
قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن
____________________
(العفو) نقيض الجهد وهو أن ينفق مالا يبلغ إنفاقه منه الجهد واستفراغ الوسع، قال:
* خذي العفو منى تستديمي مودتي * ويقال للأرض السهلة العفو. وقرئ بالرفع والنصب. وعن النبي صلى الله عليه وسلم (أن رجلا أتاه ببيضة من ذهب أصابها في بعض المغازي فقال: خذها منى صدقة، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه من الجانب الأيمن فقال مثله، فأعرض عنه، ثم أتاه من الجانب الأيسر فاعرض عنه فقال: هاتها مغضبا، فأخذها فخذفه بها خذفا لو أصابه لشجه أو عقره ثم قال: يجئ أحدكم بماله كله يتصدق به ويجلس يتكفف الناس، إنما الصدقة عن ظهر غنى) (في الدنيا والآخرة) إما أن يتعلق بتتفكرون فيكون المعنى: لعلكم تتفكرون فيما يتعلق بالدارين فتأخذون بما هو أصلح لكم كما بينت لكم أن العفو أصلح من الجهد في النفقة، أو تتفكرون في الدارين فتؤثرون أبقاهما وأكثرهما منافع، ويجوز أن يكون إشارة إلى قوله - وإثمهما أكبر من نفعهما - لتتفكروا في عقاب الاثم في الآخرة والنفع في الدنيا حتى لا تختاروا النفع العاجل على النجاة من العقاب العظيم، واما أن يتعلق بيبين على معنى: يبين لكم الآيات في أمر الدارين وفيما يتعلق بهما لعلكم تتفكرون. لما نزلت - ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما - اعتزلوا اليتامى وتحاموهم وتركوا مخالطتهم والقيام بأموالهم والاهتمام بمصالحهم، فشق ذلك عليهم وكاد يوقعهم في الحرج فقل (إصلاح لهم خير) أي مداخلتهم على وجه الاصلاح لهم ولأموالهم خير من مجانبتهم (وان تخالطوهم) وتعاشروهم ولم تجانبوهم (ف‍) هم (إخوانكم) في الدين ومن حق الأخ أن يخالط أخاه، وقد حملت المخالطة على المصاهرة (والله يعلم المفسد من المصلح) أي لا يخفى على الله من داخلهم بافساد واصلاح فيجازيه على حسب مداخلته فاحذروه ولا تتحروا غير الاصلاح (ولو شاء الله لأعنتكم) لحملكم على العنت وهو المشقة وأحرجكم فلم يطلق لكم مداخلتهم، وقرأ طاوس قل إصلاح إليهم، ومعناه إيصال الصلاح، وقرئ لعنتكم بطرح الهمزة والقاء حركتها على اللام، وكذلك فلا إثم عليه (إن الله عزيز) غالب يقدر على أن يعنت عباده ويحرجهم ولكنه (حكيم) لا يكلف الا ما تتسع فيه طاقتهم (ولا تنكحوا) وقرئ بضم التاء: أي لا تتزوجوهن أو لا تزوجوهن و (المشركات) الحربيات والآية الثابتة. وقيل المشركات الحربيات والكتابيات جميعا، لان أهل الكتاب من أهل الشرك لقوله تعالى - وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله - إلى قوله تعالى سبحانه عما يشركون - وهى منسوخة بقوله تعالى - والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم - وسورة المائدة كلها ثابتة لم ينسخ منها شئ قط وهو قول ابن عباس والأوزاعي، وروى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث مرثد بن أبي مرثد الغنوي إلى مكة ليخرج منها ناسا من المسلمين، وكان يهوى امرأة في الجاهلية اسمها عناق، فأتته وقالت: ألا نخلو؟ فقال: ويحك إن الاسلام قد حال بيننا، فقالت:
فهل لك أن تتزوج بي؟ قال: نعم ولكن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمره، فاستأمره فنزلت)
(٣٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 365 ... » »»