الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٦٨
فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا
____________________
طلقها مرة ثالثة بعد المرتين (فلا تحل له من بعد) من بعد ذلك التطليق (حتى تنكح زوجا غيره) حتى تتزوج غيره، والنكاح يسند إلى المرأة كما يسند إلى الرجل كما التزوج، ويقال فلانة ناكح في بنى فلان، وقد تعلق من اقتصر على العقد في التحليل بظاهره وهو سعيد بن المسيب. والذي عليه الجمهور أنه لابد من الإصابة، لما روى عروة عن عائشة رضي الله عنها (أن امرأة رفاعة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن رفاعة طلقني فبت طلاقي، وإن عبد الرحمن بن الزبير تزوجني، وإنما معه مثل هدبة الثوب وإنه طلقني قبل أن يمسني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) وروى أنها لبثت ما شاء الله ثم رجعت فقالت: إنه كان قد مسني، فقال لها كذبت في قولك الأول فلن أصدقك في الاخر، فلبثت حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتت أبا بكر رضي الله عنه فقالت: أأرجع إلى زوجي الأول؟ فقال:
قد عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال لك ما قال فلا ترجعي إليه، فلما قبض أبو بكر رضي الله عنه قالت مثله لعمر رضي الله عنه فقال: إن أتيتني بعد مرتك هذه لأرجمنك فمنعها. فإن قلت: فما تقول في النكاح المعقود بشرط التحليل؟ قلت: ذهب سفيان والأوزاعي وأبو عبيد ومالك وغيرهم إلى أنه غير جائز، وهو جائز عند أبي حنيفة مع الكراهة. وعنه أنهما إن أضمرا التحليل ولم يصرحا به فلا كراهة، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن المحلل والمحلل له. وعن عمر رضي الله عنه: لا أوتى بمحلل له إلا رجمتهما. وعن عثمان رضي الله عنه . لا، إلا نكاح رغبة غير مدالسة (فان طلقها) الزوج الثاني (أن يتراجعا) أن يرجع كل واحد منهما إلى صاحبه بالزواج (إن ظنا) إن كان في ظنهما أنهما يقيمان حقوق الزوجية، ولم يقل إن علما أنهما يقيمان لان اليقين مغيب عنهما لا يعلمه إلا الله عز وجل، ومن فسر الظن ههنا بالعلم فقد وهم من طريق اللفظ والمعنى، لأنك لا تقول علمت أن يقوم زيد، ولكن علمت أنه يقوم، ولان الانسان لا يعلم ما في الغد وإنما يظن ظنا (فبلغن أجلهن) أي آخر عدتهن وشارفن منتهاها، والأجل يقع على المدة كلها وعلى آخرها، يقال لعمر الانسان أجل، وللموت الذي ينتهى به أجل، وكذلك الغاية والامد، يقول النحويون: من لابتداء الغاية، وإلى لانتهاء الغاية، وقال:
كل حي مستكمل مدة العمر ومود إذا انتهى أمده ويتسع في البلوغ أيضا فيقال بلغ البلد: إذا شارفه وداناه، ويقال قد وصلت ولم يصل وإنما شارف، ولأنه قد علم أن الامساك بعد تقضى الاجل لا وجه له لأنها بعد تقضيه غير زوجة له وفى غير عدة منه فلا سبيل له عليها (فأمسكوهن بمعروف) فاما أن يراجعها من غير طلب ضرار بالمراجعة (أو سرحوهن بمعروف) وإما أن يخليها حتى تنقضي عدتها وتبين من غير ضرار (ولا تمسكوهن ضرارا كان الرجل يطلق المرأة ويتركها حتى يقرب
(٣٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 363 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 ... » »»