____________________
قال: كيف كان ذلك المثل؟ فقيل مستهم البأساء (وزلزلوا) وأزعجوا إزعاجا شديدا شبيها بالزلة بما أصابهم من الأهوال والافزاع (حتى يقول الرسول) إلى الغاية حتى قال الرسول ومكن معه فيها (متى نصر الله) أي بلغ بهم الضجر ولم يبق لهم صبر حتى قالوا ذلك، ومعناه طلب الصبر وتمنيه واستطالة زمان الشدة، وفى هذه الغاية دليل على تناهى الامر في الشدة وتماديه في العظم، لان الرسل لا يقادر قدر ثباتهم واصطبارهم وضبطهم لأنفسهم، فإذا لم يبق لهم صبر حتى ضجوا كان ذلك الغاية في الشدة التي لا مطمح وراءها (ألا إن نصر الله قريب) على إرادة القول: يعنى فقيل لهم ذلك إجابة لهم إلى طلبتهم من عاجل النصر. وقرئ حتى يقول بالنصب عليب إضمار أن ومعنى الاستقبال لان أن علم له، وبالرفع على أنه في معنى الحال كقولك: شربت الإبل حتى يجئ البعير يجر بطنه، إلا أنها حال ماضية محكية. فان قلت: كيف طابق الجواب السؤال في قوله (قل ما أنفقتم) مهم قد سألوا عن بيان ما ينفقون وأجيبوا ببيان المصرف؟ قلت: قد تضمن قوله ما أنفقتم (من خير) بيان ما ينفقونه وهو كل خير وبنى الكلام على ما هو أهم وهو بيان المصرف لان النفقة لا يعتد بها الا أن تقع موقعها، قال الشاعر إن الصنيعة لا تكون صنيعة حتى يصاب بها طريق المصنع وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه جاء عمرو بن الجموح وهو شيخ هرم وله مال عظيم فقال: ماذا ننفق من أموالنا وأين نضعها؟ فنزلت. وعن السدى هي منسوخة بفرض الزكاة. وعن الحسن هي في التطوع (وهو كره لكم) من الكراهة بدليل قوله (وعسى أن تكرهوا شيئا) ثم إما أن يكون بمعنى الكراهة على وضع المصدر موضع الوصف مبالغة كقولها * فإنما هي إقبال وإدبار * كأنه في نفسه كراهة لفرط كراهتهم له، وإما أن يكون فعلا بمعنى مفعول كالخبز بمعنى المخبوز: أي وهو مكروه لكم، وقرأ السلمي بالفتح على أن يكون بمعنى المضموم كالضعف والضعف، ويجوز أن يكون بمعنى الاكراه على طريق المجاز كأنهم أكرهوا عليه لشدة كراهتهم له ومشقته عليهم، ومنه قوله تعالى - حملته أمه كرها ووضعته كرها - وعلى قوله تعالى (وعسى أن تكرهوا شيئا) جميع ما كلفوه فان النفوس تكرهه وتنفر عنه وتحب خلافه (والله يعلم) ما يصلحكم وما هو خير لكم (وأنتم لا تعلمون) ذلك. بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش على سرية في جمادى الآخرة قبل قتال بدر بشهرين ليترصد عيرا لقريش فيها عمرو بن عبد الله الحضرمي وثلاثة معه، فقتلوه وأسروا اثنين واستاقوا العير وفيها من تجارة الطائف، وكان ذلك أول يوم من رجب وهم يظنون من جمادى الآخرة، فقالت قريش: قد