الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٥٥
والله يرزق من يشاء بغير حساب كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء
____________________
في عليين من السماء وهم في سجين من الأرض، أو حالهم عليه لحالهم لانهم في كرامة وهم في هوان، أو هم عالون عليهم متطاولون يضحكون منهم كما يتطاول هؤلاء عليهم في الدنيا ويرون الفضل لهم عليهم - فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون - (والله يرزق من يشاء بغير حساب) بغير تقدير، يعنى أنه يوسع على من توجب الحكمة التوسعة عليه كما وسع على قارون وغيره، فهذه التوسعة عليكم من جهة الله لما فيها من الحكمة وهى استدراجكم بالنعمة، ولو كانت كرامة لكان أولياؤه المؤمنون أحق بها منكم. فان قلت: لم قال من الذين آمنوا ثم قال والذين اتقوا؟ قلت: ليريك أنه لا يسعد عنده إلا المؤمن المتقى، وليكون بعثا للمؤمنين على التقوى إذا سمعوا ذلك (كان الناس أمة واحدة) متفقين على دين الإسلام (فبعث الله النبيين) يريد فاختلفوا فبعث الله، وإنما حذف لدلالة قوله - ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه - عليه. وفى قراءة عبد الله كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله، والدليل عليه قوله عز وعلا - وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا - وقيل كان الناس أمة واحدة كفارا فبعث الله.
النبيين فاختلفوا عليهم والأول الوجه. فان قلت: متى كان الناس أمة واحدة متفقين على الحق؟ قلت: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان بين آدم وبين نوح عشرة قرون على شريعة من الحق فاختلفوا، وقيل هم نوح ومن كان معه في السفينة (وأنزل معهم الكتاب) يريد الجنس أو مع كل واحد منهم كتابه (ليحكم) لله أو الكتاب أو النبي المنزل عليه (فيما اختلفوا فيه) في الحق ودين الاسلام الذي اختلفوا فيه بعد الاتفاق (وما اختلف فيه) في الحق (إلا الذين أوتوه) الا الذين أوتوا الكتاب المنزل لإزالة الاختلاف: أي ازدادوا في الاختلاف لما أنزل عليهم الكتاب، وجعلوا نزول الكتاب سببا في شدة الاختلاف واستحكامه (بغيا بينهم) حسدا بينهم وظلما لحرصهم على الدنيا وقلة إنصاف منهم، و (من الحق) بيان لما اختلفوا فيه: أي فهدى الذين امنوا للحق الذي اختلف فيه من اختلف (أم) منقطعة، ومعنى الهمزة فيها للتقرير وإنكار الحسبان واستبعاده. ولما ذكر ما كانت عليه الأمم من الاختلاف على النبيين بعد مجئ البينات تشجيعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على الثبات والصبر مع الذين اختلفوا عليه من المشركين وأهل الكتاب وإنكارهم لآياته وعداوتهم له قال لهم على طريقة الالتفات التي هي أبلغ أم حسبتم (ولما) فيها معنى التوقع وهى في النفي نظيرة قد في الاثبات. والمعنى: أن إتيان ذلك متوقع منتظر (مثل الذين خلوا) حالهم التي هي مثل في الشدة، و (مستهم) بيان للمثل وهو استئناف كأن قائلا
(٣٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 350 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 ... » »»