الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٥٣
الله والله رؤوف بالعباد يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الامر وإلى الله ترجع الأمور سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ومن يبدل
____________________
نزلت في صهيب بن سنان أراده المشركون على ترك الاسلام وقتلوا نفرا كانوا معه فقال لهم: أنا شيخ كبير، ان كنت معكم لم أنفعكم، وان كنت عليكم لم أضركم، فخلوني وما أنا عليه وخذوا مالي، فقبلوا منه ماله وأتى المدينة (والله رؤوف بالعباد) حيث كلفهم الجهاد فعرضهم لثواب الشهداء (السلم) بكسر السين وفتحها، وقرأ الأعمش بفتح السين واللام: وهو الاستسلام والطاعة: أي استسلموا لله وأطيعوه (كافة) لا يخرج أحد منكم يده عن طاعته، وقيل هو الاسلام، والخطاب لأهل الكتاب لانهم امنوا بنبيهم وكتابهم، أو للمنافقين لانهم امنوا بألسنتهم، ويجوز أن يكون كافة حالا من السلم لأنها تؤنث كما تؤنث الحرب قال:
السلم تأخذ منها ما رضيت به * والحرب يكفيك من أنفاسها جرع على أن المؤمنين أمروا بأن يدخلوا في الطاعات كلها وأن لا يدخلوا في طاعة دون طاعة، أو في شعب الإسلام وشرائعه كلها وأن لا يخلوا بشئ منها. وعن عبد الله بن سلام (أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقيم على السبت وأن يقرأ من التوراة في صلاته من الليل). وكافة من الكف كأنهم كفوا أن يخرج منهم أحد باجتماعهم (فإن زللتم) عن الدخول في السلم من بعد ما جاءتكم البينات (أي الحجج والشواهد على أن ما دعيتم إلى الدخول فيه هو الحق) فاعلموا أن الله عزيز (غالب لا يعجزه الانتقام منكم) حكيم (لا ينتقم إلا بحق، وروى أن قارئا قرأ غفور رحيم فسمعه أعرابي فأنكره ولم يقرأ القرآن وقال: إن كان هذا كلام الله فلا يقول كذا، الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل لأنه إغراء عليه. وقرأ أبو السمأل زللتم بكسر اللام وهما لغتان نحو ظللت وظللت. وإتيان الله:
إتيان أمره وبأسه كقوله - أو يأتي أمر ربك، فجاءهم بأسنا - ويجوز أن يكون المأتي به محذوفا بمعنى أن يأتيهم الله ببأسه أو بنقمته للدلالة عليه بقوله (فإن الله عزيز) (في ظلل) جمع ظلة وهى ما أظلك. وقرئ ظلال وهى جمع ظلة كقلة وقلال أو جمع ظل. وقرئ والملائكة بالرفع كقوله - هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة - وبالجر عطف على ظلل أو على الغمام. فان قلت: لم يأتيهم العذاب في الغمام؟ قلت: لأن الغمام مظنة الرحمة فإذا نزل منه العذاب كان الامر أفظع وأهول، لان الشر إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أغم، كما أن الخير إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أسر، فكيف إذا جاء الشر من حيث يحتسب الخير، ولذلك كانت الصاعقة من العذاب المستفظع لمجيئها من حيث يتوقع الغيث، ومن ثمة اشتد على المتفكرين في كتاب الله قوله تعالى - وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون - (وقضى الامر) وتم أمر إهلاكهم وتدميرهم وفرغ منه. وقرأ معاذ بن جبل رضي الله عنه وقضاء الامر على المصدر المرفوع عطفا على الملائكة. وقرئ ترجع وترجع على البناء للفاعل والمفعول بالتأنيث والتذكير فيهما (سل) أمر للرسول عليه الصلاة والسلام أو لكل أحد، وهذا السؤال سؤال تقريع كما تسأل الكفرة يوم القيامة (كم آتيناهم من آية بينة) على أيدي أنبيائهم وهى معجزاتهم أو من آية في الكتب شاهدة على
(٣٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 348 349 350 351 352 353 354 355 356 357 358 ... » »»