الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٤٩
كما هداكم وإن كنتم من قبله الضالين ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم
____________________
لا ينامون. وقيل سميت المزدلفة جمعا لان ادم صلوات الله عليه اجتمع فيها مع حواء، وازدلف إليها: أي دنا منها، وعن قتادة لأنه يجمع فيها بين الصلاتين، ويجوز أن يقال وصفت بفعل أهلها لانهم يزدلفون إلى الله: أي يتقربون بالوقوف فيها (كما هداكم) ما مصدرية أو كافة، والمعنى: واذكروه ذكرا حسنا كما هداكم هداية حسنة، أو اذكروه كما علمكم كيف تذكرونه لا تعدلوا عنه (وإن كنتم من قبله) من قبل الهدى (لمن الضالمين) الجاهلين لا تعرفون كيف تذكرونه وتعبدونه، وإن هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة (ثم أفيضوا) ثم لتكن إفاضتكم (من حيث أفاض الناس) ولا تكن من المزدلفة، وذلك لما كان عليه الحمس من الترفع على الناس والتعالي عليهم وتعظيمهم عن أن يساووهم في الوقف، وقولهم نحن أهل الله وقطان حرمه فلا نخرج منه فيقفون بجمع وسائر الناس بعرفات. فان قلت: فكيف موقع ثم؟ قلت: نحن موقعها في قولك أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير كريم، تأتى بثم لتفاوت ما بين الاحسان إلى الكريم والإحسان إلى غيره وبعد ما بينهما، فكذلك حين أمرهم بالذكر عند الإفاضة من عرفات قال: ثم أفيضوا لتفاوت ما بين الإفاضتين، وأن إحداهما صواب والثانية خطأ. وقيل ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس وهم الحمس: أي من المزدلفة إلى منى بعد الإفاضة من عرفات، وقرئ من حيث أفاض الناس بكسر السين: أي الناسي وهو آدم من قوله - ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى - يعنى أن الإفاضة من عرفات شرع قديم فلا تخالفوا عنه (واستغفروا الله) من مخالفتكم في الموقف، وقيل ذلك من جاهليتكم (فإذا قضيتم مناسككم) أي فإذا فرغتم من عبادتكم الحجية ونفرتم (فاذكروا الله كذكركم آباءكم) فأكثروا ذكر الله وبالغوا فيه كما تفعلون في ذكر آبائكم ومفاخرهم وأيامهم، وكانوا إذا قضوا مناسكهم وقفوا بين المسجد
(٣٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 ... » »»