____________________
بالنفي وجوب انتفائها وأنها حقيقة بأن لا تكون، وقرئ المنفيات الثلاث بالنصب وبالرفع، وقرأ أبو عمرو وابن كثير الأولين بالرفع والاخر بالنصب، لأنهما حملا الأولين على معنى النهى كأنه قيل: فلا يكونن رفث ولا فسوق، والثالث على معنى الاخبار بانتفاء الجدال كأنه قيل: ولا شك ولا خلاف في الحج، وذلك أن قريشا كانت تخالف سائر العرب فتقف بالمشعر الحرام وسائر العرب يقفون بعرفة، وكانوا يقدمون الحج سنة ويؤخرونه سنة وهو النسئ، فرد إلى وقت واحد ورد الوقوف إلى عرفة، فأخبر الله تعالى أنه قد ارتفع الخلاف في الحج، واستدل على أنه المنهى عنه هو الرفث والفسوق دون الجدال بقوله صلى الله عليه وسلم (من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج كهيئة يوم ولدته أمه) وأنه لم يذكر الجدال (وما تفعلوا من خير يعلمه الله) حث على الخير عقيب النهى عن الشر، وأن يستعملوا مكان القبيح من الكلام الحسن، ومكان الفسوق البر والتقوى، ومكان الجدال الوفاق والأخلاق الجميلة، أو جعل فعل الخير عبارة عن ضبط أنفسهم حتى لا يوجد منهم ما نهوا عنه، وينصره قوله تعالى (وتزودوا فان خير الزاد التقوى) أي اجعلوا زادكم إلى الآخرة اتقاء القبائح فان خير الزاد اتقاؤها، وقيل كان أهل اليمن لا يتزودون ويقولون نحن متوكلون ونحن نحج بيت الله أفلا يطعمنا فيكونون كلا على الناس فنزلت فيهم، ومعناه: وتزودوا واتقوا الاستطعام وابرام الناس والتثقيل عليهم فان خير الزاد التقوى (واتقوا) وخافوا عقابي (يا أولى الألباب) يعنى أن قضية اللب تقوى الله، ومن لم يتقه من الألباء فكأنه لا لب له (فضلا من ربكم) عطاء منه وتفضلا وهو النفع والربح بالتجارة، وكان ناس من العرب يتأثمون أن يتجروا أيام الحج، وإذا دخل العشر كفوا عن البيع والشراء فلم تقم لهم سوق، ويسمون من يخرج بالتجارة الداج ويقولون هؤلاء الداج وليسوا بالحاج، وقيل كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقهم في الجاهلية يتجرون فيها في أيام الموسم وكانت معايشهم منها، فلما جاء الاسلام تأثموا، فرفع عنهم الجناح في ذلك وأبيح لهم، وانما يباح ما لم يشغل عن العبادة. وعن ابن عمر رضي الله عنه أن رجلا قال له: إنا قوم نكرى في هذا الوجه، وان قوما يزعمون أن لا حج لنا؟ فقال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما سألت فلم يرد عليه حتى نزل - ليس عليكم جناح - فدعا