الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣١٦
ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون. قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون. أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون. تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون.
____________________
صبغ كالجلسة من جلس وهى الحالة التي يقع عليها الصبغ، والمعنى: تطهير الله لأن الإيمان يطهر النفوس، والأصل فيه أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون هو تطهير لهم، وإذا فعل الواحد منهم بولده ذلك قال: الآن صار نصرانيا حقا، فأمر المسلمون بأن يقولوا لهم - قولوا آمنا بالله - وصبغنا الله بالإيمان صبغة لا مثل صبغتنا، وطخرنا به تطهيرا لا مثل تطهيرنا، أو يقول المسلمون: صبغنا الله بالإيمان صبغته ولم نصبغ صبغتكم، وإنما جئ بلفظ الصبغة على طريقة المشاكلة كما تقول لمن يغرس الأشجار: اغرس كما يغرس فلان، تريد رجلا يصطنع الكرم (ومن أحسن من الله صبغة) يعنى أنه يصبغ عباده بالإيمان وطهرهم به من أوضار الكفر، فلا صبغة أحسن من صبغته، وقوله (ونحن له عابدون) عطف على آمنا بالله، وهذا العطف يرد قوله من زعم أن صبغة الله بدل من ملة إبراهيم، أو نصب على الإغراء بمعنى عليكم صبغة الله لما فيه من فك النظم وإخراج الكلام عن التآمه واتساقه، وانتصابها على أنها مصدر مؤكد هو الذي ذكره سيبويه، والقول ما قالت حذام. قرأ زيد بن ثابت - أتحاجونا - بإدغام النون، والمعنى: أتجادلوننا في شأن الله واصطفائه النبي من العرب دونكم وتقولون: لو أنزل الله على أحد لأنزل علينا وترونكم أحق بالنبوة منا (وهو ربنا وربكم) نشترك جميعا في أننا عباده وهو ربنا وهو يصيب برحمته وكرامته من يشاء من عباده هم فوضى في ذلك لا يختص به عجمي دون عربي إذا كان أهلا للكرامة (ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم) يعنى أن العمل هو أساس الأمر وبه العبرة، وكما أن لكم أعمالا يعتبرها الله في إعطاء الكرامة ومنعها فنحن كذلك ثم قال (ونحن له مخلصون) فجاء بما هو سبب الكرامة:
أي ونحن له موحدون نخلصه بالإيمان، فلا تستبعدوا أن يؤهل أهل إخلاصه لكرامته بالنبوة، وكانوا يقولون نحن أحق بأن تكون النبوة فينا لأنا أهل كتاب والعرب عبدة أوثان (أم تقولون) يحتمل فيمن قرأ بالتاء أن تكون أم معادلة للهمزة في أتحاجوننا، بمعنى أي الأمرين تأتون المحاجة في حكمة الله أم ادعاء اليهودية والنصرانية على الأنبياء، والمراد بالاستفهام عنهما إنكارهما معا وأن تكون منقطعة بمعنى بل أتقولون والهمزة للإنكار أيضا، وفيمن قرأ بالياء لا تكون إلا منقطعة (قل أأنتم أعلم أم الله) يعنى أن الله شهد لهم بملة الإسلام في قوله - ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما - (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) أي كتم شهادة الله التي عنده أنه شهد بها وهى شهادته لإبراهيم بالحنيفية. ويحتمل معنيين: أحدهما أن أهل الكتاب لا أحد أظلم منهم لأنهم كتموا هذه الشهادة وهم عالمون بها. والثاني أنا لو كتمنا هذه الشهادة لم يكن أحد أظلم منا فلا نكتمها، وفيه تعريض بكتمانهم شهادة الله لمحمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة في كتبهم وسائر شهاداته، ومن في قوله " شهادة عنده من الله " مثلها
(٣١٦)
مفاتيح البحث: الشهادة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 ... » »»