الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ١٨٥
وقوله من أسمائه الباطل نوع تقوية للاشتقاق الثاني (قوله لم كانت مخاطبتهم) يعنى أنهم لماذا خاطبوا المؤمنين المنكرين لإيمانهم بجملة فعلية مجردة عن التأكيد وخاطبوا شياطينهم الذين لا ينكرون مقالتهم بجملة اسمية مؤكدة والقياس عكس ذلك (قوله ليس جديرا بأقوى الكلامين وأوكدهما) قيل معناه ليس جديرا بالكلام القوى والوكيد فضلا عن الأوكد والأقوى أو أراد بهما القوى الوكيد كما يشعر به قوله فكان مظنة للتحقيق ومئنة للتوكيد ومحصول ما أجاب به أنهم اختاروا في الخطاب الأول الفعلية لأنهم بصدد الإخبار بحدوث الإيمان منهم وتركوا التأكيد لعدم الباعث عليه من بواطنهم أو لعدم رواجه عنهم ولم يختاروا فيه الجملة الاسمية المؤكدة نحو - إنا مؤمنون - وإلا استفيد من الكلام (ادعاء أنهم أوحديون في الإيمان غير مشقوق فيه غبارهم) أي هم سابقون في الإيمان مستمرون عليه تحقيقا فلا ينبغي أن يشك فيه شاك مع أنهم لا يدعون ذلك (إما لأن أنفسهم لا تساعدهم عليه وإما لأنه لا يروج عنهم) على لفظ التأكيد بأداته والمبالغة بإيراد الكلام جملة اسمية يقال أخذته أريحية إذا ارتاح للندى:
أي مال إليه وأحبه وأقام فلان بين أظهر قومه (وظهرانيهم) أي بينهم وفائدة إقحام الأظهر الدلالة على أن إقامته فيهم على سبيل الاستظهار بهم وأما ظهرانيهم ففيه زيادة الألف والنون في ظهر عند التثنية مبالغة كما زيدتا في النسبة كنفسانى للرجل الغيور وربانى وحقانى وكان معنى التثنية أن ظهرا منهم قدامه وآخر وراءه. فهو مكنوف من جانبيه هذا أصله ثم استعمل في الإقامة بين القوم مطلقا وإن لم يكن مكنوفا (قوله ألا ترى إلى حكاية الله تعالى) يريد أن التأكيد في قولهم - ربنا إننا آمنا - بكلمة إن، وإيراد الجملة الاسمية المفيدة للتقوى إنما كان لصدق رغبتهم فيه وكونه رائجا متقبلا منهم (وأما مخاطبة إخوانهم) هو مبتدأ خبره جملة فهم على صدق رغبة والعائد محذوف: أي فهم فيما أخبروا به فيها، وهذا الظرف أعني فيما أخبر وإن تعلق بالظرف الذي هو قوله على صدق فقد تقدم معمول الظرف عليه وإن كان متعلقا بصدق رغبة وجب أن يقدر مثله سابقا أي فهم على صدق رغبة فيما
(١٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 ... » »»