أخبروا فيكون المذكور ردا لا على المقدر (قوله وما قالوه من ذلك) أي من الثبات والقرار والبعد فكان أي ما قالوه أو ما أخبروا به إخوانهم أو مخاطبتهم إياهم على تأويل خطابهم (مظنة الشئ) موضعه ومألفه الذي يظن كونه فيه ومئنته: موضعه الذي يتحقق وجوده فيه مفعلة مشتقة من لفظة إن بعد ما جعلت اسما أو متضمنة حروفها تنبيها على اشتمالها على معناها كأنه قيل مخلقة لأن تستعمل فيه إن، وقد اتضح بما تقرر أن عدم التأكيد في الكلام قد يكون لعدم اعتناء المتكلم بشد أعضاده أو لعدم رواجه عند السامع وأن تأكيده قد يكون لاعتنائه بشأنه أو لقبوله ورواجه عند مخاطبه (قوله هو تأكيد) لا شبهة في أن معنى قولهم " إنا معكم " هو الثبات على اليهودية وليس " إنما نحن مستهزؤن " بظاهر في كونه تقريرا وتأكيدا لهذا المعنى فاعتبر منه لازما يؤكده وهو أنه رد ونفى للإسلام فيكون مقررا للثبات عليها لأن رفع نقيض الشئ تأكيد لشأنه وقد عكس صاحب المفتاح فاعتبر لازم الأول حيث قال معنى إنا معكم أي قلوبا وإنا نوهم أصحاب محمد الإيمان فيكون الاستخفاف بهم وبدينهم تأكيد لذلك اللازم وما ذكره المصنف أولى كما لا يخفى (قوله أو بدل) بيانه أنهم قصدوا تصلبهم في دينهم وكان في الكلام الأول نوع قصور عن إفادته إذا كانوا في الظاهر يوافقون المؤمنين في بعض الأمور فاستأنفوا القصد إلى ذلك بأنهم يعظمون كفرهم بتحقير الإسلام وأهله فهم أرسخ قدما فيه من شياطينهم والحمل على الاستئناف أوجه لكثرة الفائدة وقوة المحرك للسؤال وهذه الوجوه الثلاثة بيان لترك العاطف بين الجملتين في كلامهم، وأما تركه في حكايته فللموافقة فيما هو بمنزلة كلام واحد واللغوب التعب والإعياء ولغبت بالفتح (قوله معناه إنزل الهوان والحقارة بهم) فيكون من قبيل المجاز المرسل لعلاقة السببية في التصور والمسببية في الوجود والفائدة المخصوصة بهذا المجاز التنبيه على أن مذهبهم حقيق بأن يسخر منه ويسخر بهم لأجله وفى قوله غرضه الذي يرميه أي يقصده لطافة إلا أن غرض المستهزئ هو الخفة لا طلبها والباء في (بمن يهزأ) تتعلق بمعنى الإلصاق المفهوم من الكلام إذ المستعمل زرى عليه أي عيب عليه وأزرى به: أي تهاون به وازدراه أي حقره قال أبو عمر والزارى على الإنسان من لا يعده شيئا وينكر عليه فعله (قوله وقد كثر التهكم) أي قد كثر في كلام الله
(١٨٦)