غرض كستر عليه أو تجهيل وكلامنا الآن في الأصل (قوله كيف يجعلون) هذا سؤال على جواز كون اللام في الناس للعهد، أي كيف يجعل أهل التصميم على النفاق (بعض أولئك) الكفرة المصرين الذين وصفوا بالختم على قلوبهم (والمنافقون) المذكورون (غي المختوم على قلوبهم) أي غير من أخبر عنهم فيما تقدم بالختم الأنهم الذين محضوا الكفر ظاهرا وباطنا كما دل عليه قوله ثم ثنى. والجواب أن الكفر على سبيل التصميم والإصرار بالختم والتغشية (جمع الفريقين) أي الماحضين المصرين والمنافقين المصممين (معا وصيرهم جنسا واحدا) هو الكافر الذي لا يرعوى عن كفره أصلا، لكن المنافقين امتازوا عن الماحضين (بزيادة زادوها على الكفر) الإصرارى، وبذلك لا يخرجون عن ذلك الجنس الجامع بينهما. والحاصل أن المراد بالذين كفروا على تقدير الجنس هم المصرون مطلقا، فيندرج فيه المنافقون المصممون، وما ذكره من أنه ثتى بذكر المحاضين محمول كما مر على أن المنافقين لما إفردوا بذكر ما هو كاف في بيان أحوالهم كان المقصود بالذات في ذلك الحكم المشترك بيان حال الماحضين، لا على أن الماحضين هم المرادون به مطلقا. وبما قررناه صح جعلهم بعض أولئك واستقام قوله ثم ثنى بلا إشكال.
لا يقال: فعل يهذا لأي كون المنافق الذي لايصر على نفاقه داخلا في أحكام هذه الآيات. لأنا نقول: لا بأس به كما في عدم دخول الماحض الذي لا يصر على كفره فيما تقدم، وعدم دخول صاحب الكبيرة في المتقين مع كونه من المؤمنين عند الجمهور. فالمذكور من الأقسام الثلاثة للمكلفين رؤساؤها وأعلامها. ومنهم من قرر قرر السؤال بأن من المنافقين من يخلص الإيمان، فلا يصح جعل كلهم بعضا من الكفرة الذين ختم على قلوبهم. وأجاب بأن الكافر جنس يندرج فيه أنواع متمايزة بخصوصيات. وإذا كان اللام في الناس للعهد كان إشارة إلى ذلك الجنس مطلقا لا إلى المصرين الذين دل الإخبار بالاستواء على أنهم هم المرادون فقط، ولا إلى الخلص الذين كفروا ظاهرا وباطنا. ثم قال: وأما الجواب بحمل المنافقين أيضا على المصممين بدليل ما في الآيات من التشديدات والحكم بالصمم والبكر والعمى وتصريح المصنف فيما مر بأنهم من أهل التصميم على النفاق، وفيما سيأتي بأنهم من أهل الطبع، فهم بعض من الكفرة المختوم على قلوبهم واشتراؤهم الضلالة بالهدى يتوقف على تمكنهم منه بحسب الفطرة، ولاينافى الختم العارض بتقديرهم ففيه أنه لا يوافق تقرير الكتاب، وكلاهما مردودان. أما جوابه فلأن لام العهد بعد ذكر المعهود إنما تكون إشارة إلى ما أريد به في نظم الكلام لا إلى ما يعمه وغيره. وأما دعواه عدم الموافقة فلما أشرنا إليه من أن الكفر المذكور في تقرر المصنف أريد به الكفر الذي أصر عليه اعتمادا على ما علم مما سلف (قوله قلت اختصاصهما بالذكر كشف) هذه نكتة متعلقة بحكاية مقالهتم: أي حكى كلامهم على ما قالوه وكشف بذلك عن إفراطهم. والدعارة: الفسق والفساد، من دعر العود دعرا أي كثر دخانه، يقال فلان