المكبر نفسه، وفى نويس مع أصله كما أحاط به علمك (قوله ولام التعريف فيه) أي في الناس (للجنس) فإن قيل لا فائدة في الإخبار بأن من يقول كذا وكذا من الناس، أجيب بأن فائدته التنبيه على أن الصفات المذكورة تنافى الإنسانية، فينبغي أن يجهل كون المتصف بها من الناس ويتعجب منه، ورد بأن مثل هذا التكريب قد يأتي في مواضع لا يتأتى فيها مثل هذا الاعتبار ولا يقصد فيها إلا الإخبار بأن من هذا الجنس طائفة متصفة بكذا كقوله تعالى - من المؤمنين رجال صدقوا - فالأولى أن يجعل مضمون الجار والمجرور مبتدأ على معنى، وبعض الناس أو بعض منهم من اتصف بما ذكر فيكون مناط الفائدة تلك الأوصاف، ولا استبعاد في وقوع الظرف بتأويل معناه مبتدأ يرشدك إلى ذلك قول الحماسي:
منهم ليوث لا ترام وبعضهم * مما قشت وضم حبل الحاطب حيث قابل لفظ منهم بما هو مبتدأ أعني لفظة بعضهم، وقد يقع الظرف موضع المبتدأ مع تقدير الموصوف كقوله تعالى - ومنا دون ذلك - وما منا إلا له مقام معلوم - فالقوم قد روى الموصوف في الظرف الثاني وجعلوه مبتدأ والظرف الأول خبرا، وعكسه أولى بحسب المعنى: أي جمع منا دون ذلك، وما أحد منا إلا له مقام معلوم، لكن وقوع الاستعمال على أن من الناس رجالا كذا وكذا دون رجال يشهد لههم (قوله والإشارة إلى الذين كفروا) يعنى على تقدير كونه محمولا على الجنس مرادا به المصرون مطلقا، وفى ذلك مزيد تقبيح للقسم الأخير وتذكير لذم الأولين، كأنه قيل: ومن هؤلاء المصرين على الكفر الذين عرفت حالهم القوم الذين من شأنهم في التصميم على النفاق كيت وكيت، ولما كان المعهود ههنا مذكورا بلفظ آخر أشار إلى ذلك كقوله (ونظير موقعه) أي موقع الناس (موقع القوم) وجعل من موصوفة مع الجنس موصولة مع العهد رعاية للمناسبة والاستعمال، أما المناسبة فلأن الجنس مبهم لا توقيت فيه، فناسب أن يعبر عن بعضه بما هو نكرة، والمعهود معين فناسب أن يعبر عن بعضه بمعرفة. وأما الاستعمال فكما في الآيتين المذكورتين لما أريد بالمؤمنين الجنس عبر عن بعضهم بالنكرة، وأريد بالضمير جماعة معينة من المنافقين عبر عن بعضهم بالمعرفة. قيل والسر في ذلك أنك إذا قلت: من هذا الجنس طائفة شأنها كذا، كان التقييد بالجنس مفيدا، بلاخف ما إذا قلت: من هذا الجنس الطائفة الفاعلة كذا لأن من عرفهم كونهم من الجنس أولا. وإذا قلت: من هؤلاء الذي فعل كذا؟ كان حسنا؟
إذ فيه زيادة تعريف له، ولا يحسن كل الحسن أن يقال: فاعل كذا لأنه عرفهم كلهم إلا إذا كان في تنكيره