شئ خلقه) تعجيبا له، لأنه يعلم أن الله خلقه من نطفة، ثم بين تعالى مماذا خلقه فقال (من نطفة خلقه فقدره) فالتقدير جعل الشئ على مقدار غيره، فلما كان الانسان قد جعل على مقدار ما تقتضيه الحكمة في أمره من غير زيادة ولا نقصان كان قد قدر أحسن التقدير، ودبر أحسن التدبير (ثم السبيل يسره) أي سهل له سبيل الخير في دينه ودنياه بأن بينه له وأرشده إليه ورغبه فيه، فهو يكفر هذا كله ويجحده ويضيع حق الله عليه في ذلك من الشكر وإخلاص العبادة. وقال ابن عباس وقتادة والسدي: يسر خروجه من بطن أمه. وقال مجاهد: سهل له طريق الخير والشر، كقوله (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) (1). وقال الحسن: سبيل الخير، وقال ابن زيد: سبيل الثواب، وقال الحسن (يسره) معناه بصره طريق الهدى والضلال. وقيل يسر خروجه من بطن أمه، فإنه كان رأسه إلى رأس أمه ورجلاه إلى رجليها، فقلبه الله عند الولادة ليسهل خروجه منها. وقالوا: يسرى ويسراة جمعوه على (فعلة) وأجروه مجرى (فاعل) من الصحيح.
وقوله (ثم أماته فأقبره) فالإماتة أحداث الموت. وفي الناس من قال:
الإماتة عرض يضاد الحياة مضادة المعاقبة على الحال الواحدة، وهي حال تعديل البنية الحيوانية، وذلك أن ما لا يصح أن تحله حياة لا يصح أن يحله موت. وقال قوم: الموت عبارة عن نقض البنية الحيوانية أو فعل ما ينافي ما تحتاج إليه الحياة من الرطوبات والمعاني. وقوله (فأقبره) الاقبار جعل القبر لدفن الميت فيه، يقال:
أقبره إقبارا، والقبر الحفر المهيأ للمدفن فيه، ويقال: أقبرني فلانا أي جعلني اقبره فالمقبر هو الله تعالى يأمر عباده أن يقبروا الناس إذا ماتوا، والقابر الدافن للميت