ومما يهون الخطب في كافة الأمور الثقافية هو أن الله الحجة البالغة وكتابه الساطع الذي يفرق بين الحق والباطل وهناك الأحاديث الكثيرة المتواترة المقطوع صدورها بحيث يمكن أن تكون ميزانا لمعرفة الأحاديث الأخرى بعد العرض عليها، وأيضا هناك الفطرة السليمة التي تتمكن نوعا ما من تمييز الجيد من الردي، وقد أرجعنا الرسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما رواه الكثير من علماء الفريقين إلى الثقلين كتاب الله وعترته ما إن تمسكنا بهما لن نضل بعده أبدا وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليه الحوض، فالكتاب واضح برهانه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه قد حفظه الله من الزيادة والنقصان وعصمه من التلبيس والتحريف وأما الثقل الآخر فليس هو السنة النبوية ولا سنة أهل البيت بمعنى الأحاديث والروايات التي بأيدينا وذلك لما فيه من الاختلاق والتغيير والتناقض والسنة التي لا تعصم نفسها عن الكذب والضلال كيف يتم إرجاع الناس إليه من قبل الرسول و بالنتيجة فاقد العصمة كيف يورث العصمة من الضلال فيما إذا تمسكوا به، بل الثقل الاخر هم أهل البيت بأنفسهم فهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم وتطهيرا وهم حفظة هذا الدين من تحريف الغالين وانتحال المبطلين هم الأئمة الاثني عشر الذين يمثلون وجودا مستمرا في جميع العصور إلى يوم القيامة حتى ورود الحوض مع استمرارية القرآن جنبا إلى جنب وفي عصر الغيبة وإن كان الامام غائبا عن الابصار إلا أنه رسم الخطوط العريضة و الواضحة الحية للتمسك بهم والاهتداء بهديهم سواء في مجال القيادة والثقافة وهو الشاهد على الأوضاع والموجه لها بقدر ما تقتضيه أسباب الهداية واللطف الإلهي.
فعلينا دائما وأبدا أن نتمسك بالثقلين وعرض ما هو غامض على القرآن ومراجعة أولي الفقه والبصيرة الذين يمثلون تلك الخطوط وأن لا نتسرع في الحكم على الأحاديث بمجرد عدم فهمنا لها فللقرآن ظهر وبطن ولبطنه بطن إلى سبعين بطن فربما نرى رواية تتعارض بالنظر البدوي لظاهر القرآن إلا أننا لو تأملنا وتريثنا لعرفنا أنه ليس فقط لا يتعارض بل يؤيده كل التأييد لكن لا يلقاها إلا الذين صبروا ولا يلقاها إلا ذو حظ عظيم فظاهره أنيق وباطنه عميق فإذا وجدنا آية ظاهرها في جماعة معينة ثم تقول الرواية أنها نزلت في أهل البيت أو في شيعتهم أو في أعدائهم فلا نستنكر ذلك فقد جاء في الحديث كما في أول الكتاب: القرآن أربعة أرباع ربع فينا وربع في عدونا وربع فرائض وأحكام وربع حلال وحرام ولنا كرائم القرآن، وفي ح 166 من هذا الكتاب نحوه عن الباقر وأضاف: ولو أن آية نزلت في قوم ثم ماتوا أولئك ماتت الآية إذا ما بقي من القرآن شئ، إن القرآن يجري من أوله إلى آخره وآخره إلى أوله ما قامت السماوات والأرض فلكل قوم آية يتلونها هم منها في خير أو شر.