وأما مشكلة حذف الأسانيد فلا ندري متى وقع هذا الامر المؤسف نعم لو لاحظنا من جهة أن نسخة الحسكاني كانت مسندة ودققنا في التسلسل السندي لرواية كتاب فرات الموجود حاليا عندنا في أول الكتاب وآخره نظرنا إلى تاريخ النسخ التي بأيدينا والتي تعود أقدمها إلى قبل خمسة قرون لاهتدينا ربما إلى تحديد الفترة التي وقع فيها الحذف وهي ما بين القرن الخامس والعاشر على أن هذه التقديرات راجعة إلى النسخة التي وقع فيها الحذف فلربما بقيت النسخة المسندة إلى فترات متأخرة وعسى أن نعثر في المستقبل القريب على نسخة كاملة لتفسير فرات.
وأما السبب في هذا التصرف فربما يعود لجهل الناسخ إلى أهمية الاسناد في الرواية فأراد الاقتصار على لباب المطلب بزعمه وحذف التشريفات الزائدة فحذف الأسانيد كما وقع ما يشبه هذا الامر في نسخة (ر) حيث أن الكاتب لم يكتف بهذا المقدار بل حذف المتون المكررة، أو كان السبب في أن المحدثين في قرون متمادية كانوا لا يروون الكتاب إلا بإجازة تعود ولو بالواسطة إلى مؤلف الكتاب وصاحب الحديث فإذا لم يجدوا أحدا يجيزهم ذلك نقلوا الأحاديث على نحو الارسال كما فعل ذلك بتفسير العياشي حيث أن الذي حذف منه الاسناد يذكر في المقدمة ما ملخصه: إني لما رغبت إلى هذا وطلبت سماعا من المصنف أو غيره فلم أجد في ديارنا من كان عنده سماع أو إجازة منه حذفت منه الاسناد و كتبت الباقي على وجهه ليكون أسهل على الكاتب والناظر فيه فان وجدت بعد ذلك سماع أو إجازة المصنف اتبعت الأسانيد.
ولربما يعود السبب إلى أن رجال السند كانوا لدى الكاتب من المجاهيل فأراد أن يريح نفسه من ذكر أناس غير معروفين فحذف الأسانيد إلا أن هذا الاحتمال ضعيف.
ولم يراع الذي أسقط الأسانيد ترتيبا واحدا ونهجا علميا في الحذف ففي البداية لم يحذف الأسانيد ثم حينما استمر بالكتابة كأنما مل من تكرر الأسماء وطولها فحذفها واقتصر على ذكر شيخه فقط ثم أردفه بقوله (معنعنا) لكن هذا لغير بداية السور أما بداية السور فتارة يقتصر على ذكر فرات نفسه وتارة يقتصر على ذكر راوية فرات (أبو القاسم العلوي عبد الرحمان بن محمد بن عبد الرحمان) وربما أعقبه بذكر فرات ولربما أعقب ذكر فرات ذكر شيخه نادرا وكأن الكاتب أصابته صحوة في أثناء الكتابة فأبقى قسما من أسانيد أواسط الكتاب وأيضا حينما وصل به الامر إلى أواخر الكتاب وأحس بنشوة الخلاص من معاناة الكتابة أثبت بعض الأسانيد في آخر الكتاب. وكل هذا يؤكد الاحتمال الأول من أسباب الحذف.