ولو لم يكن دليل على توثيق الحارث، وجعله في الطبقة الأولى من أهل العدالة، وتقديمه على أغلب رجال الصحيح إلا هذا، لكان كافيا لأهل العلم في ذلك، ومغنيا عن غيره من الأدلة.
لأن من المقرر عند أهل الحديث، أن من الأمور التي يعرف بها عدالة الراوي وكونه ثقة، شهرته بذلك بين أهل بلده ووطنه، وربما كان عندهم هذا أعلى وأرقى في التعديل والتوثيق من ثناء رجل واحد من أئمة الجرح عليه.
وهو وجيه من جهة النظر - كما لا يخفى - لما تفيده الشهرة من العلم بذلك ما لا يفيده تعديل الرجل الواحد.
وقليل من الرواة الثقات من تكون لهم هذه المكانة في الشهرة بالعلم والرواية التي تغني عن الثناء عليه والنص على ذلك من إمام من أئمة الجرح.
فلو قال قائل: إن الحارث الهمداني من الطبقة الأولى والدرجة المثلى في العدالة والضبط، وأن حديثه من الصحة والثبوت بما تقتضيه منزلته في ذلك، لكان صادقا في قوله، مؤيدا بالدليل الذي لا يمكن نقضه، يضاف إلى هذا توثيق الأئمة من أهل عصره له، وأخذهم عنه، وشهادتهم له بالتفوق في العلم على غيره.
وأول من اعتمد عليه في الرواية عنه والأخذ منه سيدا شباب أهل الجنة - الحسن والحسين - عليهما السلام.
فقد روى ابن سعد في الطبقات 6 / 168 عن الشعبي، قال: لقد رأيت الحسن والحسين يسألان الحارث الأعور عن حديث علي. ورواه أيضا ابن أبي حاتم، في ا لجرح 1 / 2 / 79.
فهذا الشعبي نفسه يخبر أنه رأى الحسن والحسين عليهما السلام يسألان الحارث عن حديث علي عليه السلام.
وفي هذا أعظم دليل وأكبر حجة وأقوى برهان على أنه ثقة عندهما، عنده من حديث علي والدهما - عليه السلام - ما لا يوجد عند غيره.
قد يقول قائل: إن الرواية عن شيخ لا تدل على كون الراوي عنه يوثقه.