إرغام المبتدع الغبي بجواز التوسل بالنبي (ص) - الحافظ ابن الصديق المغربي - الصفحة ٣٩
وما زال يمر بالرجل الثبت، وفيه مقال من لا يعبأ به، ولو فتحنا هذا الباب على نفوسنا لدخل فيه عدة من الصحابة والتابعين والأئمة، فبعض الصحابة كفر بعضهم بتأويل ما.
ثم قال بعد كلام: وهكذا كثير من كلام الأقران بعضهم في بعض، ينبغي أن يطوي ولا يروي، ويطرح ولا يجعل طعنا. ا ه‍ كلام الذهبي رحمه الله.
قلت: ولو عملنا بكلام الأقران في بعضهم البعض، لطرحنا - لأجل ذلك - حديث الشعبي نفسه، فقد كذبه إبراهيم النخعي في دعواه السماع من مسروق، لا سيما وقد فسر جرحه له، وبين سببه. ومع ذلك لم يلتفت أحد إلى كلام إبراهيم النخعي في الشعبي، لأنه صدر عن أمر خارج عن حقيقته، فلا يعتبر به.
وتكذيب الشعبي للحارث من هذا الباب، فلذلك روى عنه الشعبي أيضا وأخذ عنه العلم لما زال ما في نفسه عنه، وذهب وحر صدره. والشعبي - رحمه الله تعالى - كان سريع التكذيب والطعن في كل من حدث بما لم يسمعه من الحديث ولم يبلغه.
ومعلوم أن الحارث كان أعلم بحديث علي - عليه السلام - من الشعبي، فلما سمع منه ما لم يبلغه من حديث علي عليه السلام - سارع إلى تكذيبه، وهكذا حاله حتى مع الصحابة، فكيف بالحارث!؟
فقد نقل الحافظ الذهبي في ترجمة الشعبي من " تذكرة الحفاظ " 1 / 83 عن الحاكم، عن ربيعة بن يزيد، قال: قعدت إلى الشعبي بدمشق في خلافة عبد الملك، فحدث رجل من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " اعبدوا ربكم ولا تشركوا به شيئا، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأطيعوا الأمراء، فإن كان خيرا فلكم. وإن كان شرا فعليهم وأنتم منه براء " فقال له الشعبي: كذبت.
فهذه القصة فيها دليل بين على أن الشعبي كان سريع التكذيب لمن حدث بما لم يبلغه، فمن جعل طعن الشعبي في الحارث بالكذب حجة فليجعله في تكذيب هذا الصحابي كذلك، مع أني أكاد أجزم بأن تكذيب الشعبي للحارث إنما هو من جهة رأيه لا غير.
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»