الحيري في يوم عيد في المصلى وكان من عادته إذا التقى بواحد منا يسأله بحضرة الناس عن مسائل فقهية يريد بذلك إجلاله وزيادة محله عند العوام فسألني بحضرة الناس في مصلى العيد عن مسائل فلما فرغ منها قلت له أيها الأستاذ في قلبي شئ أردت أن أسألك عنه منذ حين قال قل قلت إني رجل قد دفعت إلى صحبة الناس وحضور هذه المحافل وإني ربما أدخل مجلسا فيقوم لي بعض الحاضرين ويتقاعد عن القيام لي بعضهم فأجدني أنقم على المتقاعد حتى لو قدرت على الإساءة عليه فعلت قال فلما فرغت سكت أبو عثمان وتغير لونه ولم يجبني بشئ فلما رأيته تغير سكت ثم انصرفت من المصلى فلما كان بعد العصر قعدت وأذنت للناس فدخل علي عند المساء جار لي قلما كان يتخلف عن مجلس أبي عثمان فقلت له من أين أقبلت قال من مجلس أبي عثمان قلت فيما كان يتكلم قال أخذ في المجلس من أوله إلى آخره في رجل كان ظنه به أجمل ظن فأخبره عن سره بشئ أنكره أبو عثمان وتغير ظنه به قال أبو بكر فعلمت أنه حديثي قلت وبماذا ختم حديث ذاك الرجل قال قال أبو عثمان أظهر لي من باطنه شيئا لم أشم منه رائحة الإيمان ويشبه أن يكون على الضلال ما لم تطهره توبته من الذي أخبرني به عن نفسه. قال الشيخ أبو بكر فوقع علي البكاء وتبت إلى الله عز وجل مما كنت عليه انتهى، والابتلاء بهذا كثير نسأل الله العافية وقد ألف الإمام النووي في ذلك تأليفا مختصرا نافعا ذكر فيه الأحاديث الواردة في ذلك والآثار وحاصل ما ذكره أن القيام لأهل الفضل ونحوهم كالأصل مندوب إليه ومرغب فيه إذا كان على سبيل التوقير والاحترام لا على سبيل الافتخار والاعتظام وذكر فيه بيتين لبعضهم وهما:
قيامي والعزيز إليك حق * وترك الحق ما لا يستقيم فهل أحد له لب وعقل * ومعرفة يراك ولا يقوم وقلت في ذلك مع زيادة:
قيامي على الأقدام حق وسعيها للقياك يا فرد الزمان أكيد