كان المغنم) كمقعد: الغنيمة (دولا) بكسر ففتح جمع دولة بالضم والفتح اسم لكل ما يتداول من المال:
يعني: إذا كان الأغنياء وأهل الشرف والمناصب يتداولون أموال الفئ ويستأثرون بحقوق العجزة والفقراء ويمنعون الحق عن مستحقيه قهرا وغلبة كما هو صنيع أهل الجاهلية وذي العدوان (والأمانة مغنما) أي غنيمة يذهبون بها ويغنمونها فيرى أن من بيده أمانة أن الخيانة فيها غنيمة غنمها (والزكاة مغرما) أي يشق عليهم أداؤها بحيث يعدون إخراجها غرامة يغرمونها ومصيبة يصابونها (وأطاع الرجل زوجته) يعني حليلته فيما تروم منه وإن خالف الشرع (وعق أمه) أي عصاها وأذاها. وفحوى الخبر دال على أن المراد أنه قدم رضا امرأته على رضا أمه فتغضب تلك لرضا هذه عند تباين غرضيهما.
وخص الأم - مع كون عقوق الآباء كذلك - لأن عقوقها أقبح لضعفها (وبر صديقه) أي أحسن إليه وأدناه وتفضل عليه وجباه (وجفا أباه) أبعده وأقصاه وأعرض عنه وقلاه وترك صلته وأهمل مودته.
قال الطيبي: وقوله أدنى صديقه وجفا أباه: كلاهما قرينة لقوله وأطاع امرأته وعق أمه، لكن المذموم في الأول الجمع بينهما لأن إدناء الصديق محمود بخلاف الثانية فإن الإفراد والجمع بينهما مذمومان (وارتفعت الأصوات) أي علت أصوات الناس (في المساجد) بالخصومات ونحوها: كالبيع والشراء إلا بالذكر والدعاء (وكان زعيم القوم) أي رئيسهم أو أميرهم: يقال زعم القوم يزعم زعامة: تأمر (أرذلهم) أي أخسهم وأسفلهم (وأكرم الرجل) بالبناء للمفعول: أي أكرم الناس الإنسان (مخافة شره) أي خشية من تعدي شره إليهم وجنايته عليهم (وشربت الخمور) جميعها لاختلاف أنواعها: إذ كل مسكر خمر، يعني أكثر الناس من شربها. والمراد تجاهروا به (ولبس الحرير) بالبناء للمفعول: أي لبس الرجال الحرير الخالص أو ما أكثره منه بلا ضرورة (واتخذت القينات) أي اتخذ الناس الإماء المغنيات (والمعازف) بمهملة وزاي مكسورة أي الدفوف (ولعن آخر هذه الأمة أولها) أي لعن أهل الزمن الآخر الصدر الأول من الصحابة والتابعين الذين مهدوا قواعد الدين وأصلوا أعلامه وأحكموا أحكامه.
والمراد باللعن الطعن والذكر بالسوء وعدم الاقتداء بهم في الأعمال والاعتقاد (فليرتقبوا) أي فلينتظر الناس (عند ذلك ريحا حمراء) أي حدوث هبوب ريح حمراء. وأفردها لأن المفردة للعذاب، والجمع للرحمة (أو خسفا) أي ذهابا وغورا في الأرض: يعني يقع لبعضهم ذلك وكذا يقال في قوله (أو مسخا) أي قلب الخلقة من صورة إلى صورة. وتمسك به الخطابي على أن الخسف والمسخ قد يكونان في هذه الأمة كما كانا في الأمم الماضية، وزعم أن مسخها إنما يكون بالقلوب لا بالصور لا دليل عليه.
قال ابن تيمية: وإنما يكون الخسف والمسخ إذا استحلوا هذه المحرمات بتأويل فاسد، فإنهم لو يستحلوها مع اعتقاد أن الشارع حرمها كفروا ولم يكونوا من أمته، ولو كانوا معترفين بحرمتها لما عوقبوا بالمسخ كسائر من يفعل هذه المعاصي مع اعترافهم بأنها معصية (ت عن علي) قال الترمذي