فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٤٥٢
أحسن حالا، وفي الصحاح فضله على غيره: حكم له بذلك أو صيره كذلك (وعلى كثير من عباده) مصدر مؤكد لما قبله (كان شكر تلك النعمة) أي كان قوله ما ذكر قياما بشكر تلك النعمة المنعم بها عليه، وهي معافاته من ذلك البلاء، والخطاب في قوله: ابتلاك، وعليك: يؤذن بأن يظهر له ذلك ويسمعه إياه، وموضعه ما إذا لم يخف فتنته (تنبيه) قال بعض العارفين: الحديث وارد في حق العامة، أما الكامل فينظر فيما انطوى عليه ذلك الابتلاء فإن كان كفارة أو رفع درجات لم يسأل العافية منه، والعارف يحمل كل حديث على حاله. (هب عن أبي هريرة) وفيه سهل بن صالح قال ابن معين غير قوي.
624 - (إذا رأى أحدكم امرأة حسناء) بالمد ذات حسن قيد به لأن الإعجاب إنما يكون بها فلو رأى قبيحة (فأعجبته) لخبث طباعه كما يقع لكثير أنهم يميلون إلى العجوز أكثر من الشابة كان حكمه ما ذكر، وقوله فأعجبته: أي استحسنها لأن غاية رؤية المتعجب منه استحسانه، قال الراغب:
والحسن عبارة عن كل منهج مرغوب فيه (فليأت) ندبا فإن تعين طريقا لدفع المفسدة وجب (أهله) أي فليجامع حليلته ليسكن ما به من حر الشهوة خوفا من استحكام داعي فتنة النظر (فإن البضع) بالضم الفرج أو الجماع (واحد) يعني الفروج متحدة المذاق غير مختلفة عند الحذاق، والبضع كما في المصباح وغيره يطلق على الفرج والجماع، كلاهما سائغ هنا. قال الزمخشري: ومن الكناية بضع المرأة جامعها، وباضعها بضاعا وملك بضعها إذا عقد عليها (ومعها مثل الذي معها) أي معها فرج مثل فرج الأجنبية، ولا مزية لفرج الأجنبية، والتمييز بينهما من فخوخ الشيطان وتزيينه. أرشد من ابتلى بذلك إلى أن يداويه بجماع حليلته فإن فيه تسلية عن المطلوب بجنسه ولأن النظر يثير قوة الشهوة فأمر بتنقيصها وذلك أن أول النظر الموافقة ثم الميل ثم المحبة ثم الود ثم الهوى ثم الوله، فالموافقة للطبع، والميل للنفس، والود للقلب، والمحبة للفؤاد، والهوى غلبة الحب، والوله زيادة الهوى. فمن مال قلبه إلى امرأة ولم يقدر على دفع ميله خيف عليه أن يزيد فيصير حبا ثم هوى موقعا في الفاحشة، فأمر الشارع بإتيان حليلته ليتخلص عما في نفسه من الميل باندفاع الشهوة الداعية إليه. ويؤخذ منه ندب تكرير إتيانها إذا لم يندفع بأول مرة لاستيلاء الميل على قلبه وأنه يعجل ذلك ولا يمهل خوف المحذور. نقل ابن الحاج عن بعضهم أن هذا مستحب استحبابا مؤكدا فإنه يصون به دينه. لكن ينبغي أن يعلم أن المأمور به هنا الوطء بلا تفكر في محاسن تلك الأجنبية، أما لو وطئ حليلته متفكرا في تلك حتى خيل لنفسه أنه يطؤها فهذا غير مراد بالحديث، وفيه اختلاف ذهب بعض المالكية إلى حرمته فقال يحرم أن يجعل تلك الصورة بين عينيه فإنه نوع من الزنا كما قالوا فيما لو أخذ كوز ماء فصور في نفسه أنه خمر فشربه فإن الماء يصير حراما. وذهب جمع شافعية إلى حله لأنه لم يخطر بباله عند ذلك التفكر والتخيل
(٤٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 447 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة