فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٤٥٦
معصية قابلها بنعمة وأنساه الاستغفار فيدنيه من العذاب قليلا قليلا ثم يصبه عليه صبا. قال إمام الحرمين: إذا سمعت بحال الكفار وخلودهم في النار فلا تأمن على نفسك فإن الأمر على خطر، فلا تدري ماذا يكون وما سبق لك في الغيب، ولا تغتر بصفاء الأوقات فإن تحتها غوامض الآفات. وقال علي كرم الله وجهه: كم من مستدرج بالإحسان وكم من مفتون بحسن القول فيه. وكم من مغرور بالستر عليه، وقيل لذي النون: ما أقصى ما يخدع به العبد؟ قال: بالألطاف والكرامات (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) * وفي الحكم: خف من وجود إحسانه إليك ودوام إساءتك معه أن يكون ذلك استدراجا. والاستدراج الأخذ بالتدريج لا مباغتة.
والمراد هنا تقريب الله العبد إلى العقوبة شيئا فشيئا، واستدراجه تعالى للعبد أنه كلما جدد ذنبا جدد له نعمة وأنساه الاستغفار فيزداد أشرا وبطرا فيندرج في المعاصي بسبب تواتر النعم عليه ظانا أن تواترها تقريب من الله، وإنما هو خذلان وتبعيد. (حم طب حب عن عقبة) بالقاف (ابن عامر) قال: ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: * (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) * زاد الطبراني: * (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) * قال الهيتمي: رواه الطبراني عن شيخه الوليد ابن العباس المصري، وهو ضعيف.
وقال العراقي إسناده حسن، وتبعه المؤلف فرمز لحسنه.
630 - (إذا رأيت من) أي في (أخيك) في الدين (ثلاث خصال) أي فعل ثلاث خصال (فارجه) أي فأمل أن ينتفع برأيه ومشورته، أو فارج له الفلاح والفوز بالنجاح لما لاح فيه من مخايل الخير وأمارات الرشد التي من ثمرات هذه الخصال، وهي: (الحياء، والأمانة، والصدق) فإنها أمهات مكارم الأخلاق، فإذا وجدت في عبد دل على صلاحه فيرتجى ويرجى له الفلاح. وقدم الحياء في الذكر لأنه أصل ما بعده وأسه، وعنه يتفرع ومنه ينشأ (وإذا لم ترها) مجتمعة فيه (فلا ترجه) لشئ مما ذكر ولا يؤمل فلاحه، لأنها إذا لم تجتمع في إنسان دل على قلة مبالاته بالعاقبة وجرأته على الله وعلى عباده.
والغرض: الإيذان بأنه من أهل الخذلان فإنه يخلى وشأنه. فإن وجد فيه بعضها وفقد بعضها فهو من الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا. فالمراد أن من اجتمعت فيه يرجى فلاحه رجاء يقرب من القطع، ومن فقدت منه كلها يرجى عدمه كذلك. (عد فر عن ابن عباس) قال العلائي: فيه عبد الرحمن بن معين وثقه أبو زرعة وطعن فيه غيره، وشيخه رشد بن كريب ضعيف.
631 - (إذا رأيت كلما) بالنصب على الظرفية (طلبت شيئا من أمر الآخرة) أي من الأمور المتعلقة بها (وابتغيته يسر) بضم المثناة تحت وكسر السين مشددة بضبط المؤلف (لك) أي تهيأ وحصل بسهولة (وإذا أردت شيئا من أمور الدنيا) أي من الأمور المتعلقة بها من نيل اللذات والتوسع في
(٤٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 451 452 453 454 455 456 457 458 459 460 461 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة