فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٤٤٨
617 - (إذا ذلت) بالتشديد بضبط المؤلف (العرب) المؤمنون المستعربة بنو إسماعيل: أي ضعف أمرها وهان قدرها وظلموا وازدروا واحتقروا وفضل عليهم غيرهم (ذل الإسلام) أي أهله أو نفسه لأن شؤم ذلك يعود على الدين بالوهن والضعف وذلك لأن أصل الإسلام نشأ منهم وبهم ظهر وانتشر فإذا ذلوا ذل أي نقص لأن الإسلام لا يصلح وينتظم حاله إلا بالجود والسماحة واللين والمودة والرفق وتجنب البخل والضيق والعجلة والحقد والحرص، والعرب سهلة نفوسها كريمة طباعها زكية أخلاقها لا ينكر ذلك إلا معاند ولا يجحده إلا مارد. فإذا كانوا في عز فالإسلام في عز وإذا ذلوا ذل.
فبتلك الخلال فضلوا لا باللسان العربي فحسب. (ع عن جابر) قال العراقي في الغريب صحيح وقال الهيتمي فيه محمد بن خطاب البصري ضعفه الأزدي وغيره ووثقه ابن حبان وغيره وبقية رجاله رجال الصحيح، ورمز المصنف لضعفه باطل.
618 - (إذا رأى أحدكم الرؤيا) هي بمعنى الرؤية لكنها خصت بما يرى في النوم دون اليقظة وفرق بينهما بحرفي التأنيث كقربة وقربى كذا في الكشاف (الحسنة) وهي ما فيه بشارة أو نذارة أو تنبيه على تقصير أو غفول أو نحو ذلك (فليفسرها) أي فليقصها ندبا (وليخبر بها) وادا أو عارفا كما يأتي في خبر ولا يستلزم أحد المعطوفين الآخر، فقد يراد بالثاني الإخبار على وجه الحكاية عما يسر لا لطلب التفسير (وإذا رأى) أحدكم (الرؤيا القبيحة) ضد الحسنة (فلا يفسرها) أي لا يقصها على أحد ليفسرها له (ولا يخبر بها) أحدا فيكره ذلك بل يستعيذ بالله من شرها وشر الشيطان ويتفل عن يساره ثلاثا ويتحول لجنبه الآخر، قيل ويقرأ آية الكرسي. قال الغزالي: الرؤيا من عجائب صنعه تعالى وبدائع فطرة الآدمي وهي من أوضح الأدلة على عالم الملكوت والخلق غافلون عنها لغفلتهم عن سائر عجائب القلب وعجائب العالم، والقول في حقيقتها من دقائق علوم المكاشفة ولا يمكن ذكره علاوة بل على عالم المعاملة، لكن القدر الذي يمكن التعبير عنه وذكره في مثال يفهمك المقصود، وهو أن القلب كالمرآة تتجلى فيها الحقائق وكل ما قدر من ابتداء خلق العالم إلى آخره منقوش في اللوح نقشا لا يشاهد لهذه العين وهو لوح لا يشبه لوح الخلق وكتابته واللوح كالمرآة ظهرت فيها الصور فلو وضع في مقابل المرآة مرآة وتراءت كل منهما في الأخرى حيث لا حجاب فالقلب مرآة تمثيل رسوم العلوم واللوح مرآة رسوم جميع العلوم واشتغال القلب بشهواته ومقتضى حواسه حجاب بينه وبين مطالعة اللوح فإن هبت ريح حولت الحجاب ورفعته تلألأ في مرآة القلب شئ من عالم الملكوت كالبرق الخاطف وقد يثبت ويدوم وما دام متيقظا فهو مشغول بما تورده الحواس عليه من عالم الشهادة وهي حجاب عن عالم الملكوت فإذا ركدت الحواس بالنوم تخلص منه ومن الخيال فكان صافيا في جوهره فارتفع الحجاب بينه وبين اللوح فيقع في قلبه شئ مما فيه كما تقع صورة من مرآة إذا ارتفع الحجاب بينهما غير أن النوم يمنع الحواس عن العمل ولا يمنع الخيال عن تحركه فيما يقع في القلب فيحاكيه بمثال يقاربه ويبقى
(٤٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 443 444 445 446 447 448 449 450 451 452 453 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة