فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٤٥٥
بالمعروف مع الولاة هو التعريف والوعظ. أما المنع بالقهر فليس للآحاد لأنه يحرك فتنة ويهيج شرا.
وأما الفحش في القول: كيا ظالم، يا من لا يخاف الله، فإن تعدى شره للغير امتنع وإن لم يخف إلا على نفسه جاز بل ندب فقد كانت عادة السلف التصريح بالإنكار والتعرض للأخطار. (حم طب ك هب) من حديث محمد بن مسلم (عن ابن عمرو) بن العاص وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص، لكن تعقبه البيهقي نفسه بأنه منقطع حيث قال محمد بن مسلم هو أبو الزبير المكي ولم يسمع من ابن عمرو (طس عن جابر) وفيه سيف بن هارون ضعفه النسائي والدارقطني وقال الهيتمي رجال أحد إسنادي أحمد رجال الصحيح، وظاهر صنيع المؤلف أنه لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه، فقد رواه الترمذي.
628 - (إذا رأيت العالم) يعني وجدته (يخالط) أي يداخل (السلطان) الإمام الأعظم أو أحد نوابه (مخالطة كثيرة) أي مداخلة كثيرة عادة. قال المرزوقي: وأصل الخلطة تداخل أجزاء الأشياء بعضها في بعض، وقد توسع فيه حتى قيل رجل خليط إذا اختلط بالناس كثيرا (فاعلم أنه لص) بتثليث اللام: أي سارق: أي محتال على اقتناص الدنيا وجذبها إليه من حرام وغيره كما يحاول السارق إخراج المتاع من الحرز فمخالطته له مؤذية بنظره لجدوى الدنيا الدنيئة الفانية وإيثارها على الآخرة السنية الباقية وعماه عن وبال ذلك في العقبى كما حكى أن القائم بعد عمر بن عبد العزيز أراد الجري على منواله حتى شهد له أربعون شيخا أن الخليفة لا حساب عليه فترك. ورفع بعض العلماء حوائجه إلى المنصور فقضاها، فقال: يا أمير المؤمنين بقيت الحاجة العظمى، قال: وما هي؟ قال شفاعتك يوم القيامة، فقال له بعض من حضر: إياك وهؤلاء فإنهم قطاع الطريق في المأمن وأصل ذلك كله الطمع، والملة الحنيفية مبناها على الاكتفاء بالقليل من الدنيا والمبالغة في الحمية عن عموم ما لا يتناهى من المنهيات الكثيرة مداخل الآفات منها على المخلوقات والحمية عنها أصل الدواء، فمن لم يحتم من المنهيات لم ينفعه التداوي بالمأمورات، فهؤلاء خدموا العلم دهرهم، وصاموا نهارهم، وقاموا ليلهم، وأتوا بالحسنات كالجبال، لكنهم تلطخوا بالأقذار لما لم يتجمعوا عن التردد على أبواب الظلمة لينالوا من دنياهم التي نهوا عن زهرتها فلم ينفعهم الدواء:. واحترز بقوله كثيرة عما لو خالطه أحيانا بأقل ممكن لنحو شفاعة أو نظر مظلوم أو وعظ. (فر عن أبي هريرة) إسناده جيد.
629 - (إذا رأيت الله تعالى) أي علمت أنه (يعطي العبد) عبر بالمضارع إشارة إلى تجدد الإعطاء وتكرره (من الدنيا) أي من زهرتها وزينتها (ما يحبه) أي العبد من نحو مال وولد وجاه (وهو مقيم) أي والحال أنه مقيم (على معاصيه) أي عاكف عليها ملازم لها (فإنما ذلك) أي فاعلموا أنما إعطاؤه ما يحب من الدنيا (منه) أي من الله (استدراج) أي أخذ بتدريج واستنزال من درجة إلى أخرى، فكلما فعل
(٤٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 450 451 452 453 454 455 456 457 458 459 460 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة