فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٤٥٠
قدم في الخبر قبله البصق فالاستعاذة فالتحول، وهنا قدم التحول وأخر التعوذ فهل من حكمة؟
(قلت) أجل وهي الإشارة إلى أنه كيف فعل كفى، فإن عدم اقتضاء الواو للترتيب غير متفق عليه فدفع ما عساه يتوهم لتخالف النظم. وفي رواية لمسلم: إذا رأى أحدكم ما يكره فليصل: أي لتكمل الرغبة ويصح الطلب فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، قال القرطبي: وليس هذا مخالفا لقوله هنا: فليتحول وليتفل إلخ وإنما الأمر بالصلاة زيادة ينبغي إضافتها إلى ما في هذا الحديث فليفعل الكل وقد يقال اقتصر على الصلاة لتضمنها جميع تلك الأمور لأنه إذا قام للصلاة تحول عن جنبه وإذا توضأ تمضمض فنفث وبصق وإذا أحرم تعوذ ودعا وتضرع لله في حال هي أقرب إجابة أه‍ ومتى فعل ما أمر به مما تقرر لم يضره ببركة الصدق والتصديق والامتثال: وفائدة ذلك أن لا يشغل الرائي نفسه برؤية ما يكره وأن يعرض عنه ولا يلتفت إليه (تنبيه) قال الحكيم الترمذي: التفل الذي أمر به المصطفى صلى الله عليه وسلم واصل إلى وجه الشيطان واقع عليه فالتفل مع تعوذ الرائي بالله يرد الذي جاء به من النزعة والوسوسة كالنار إلى وجهه فيحترق فيصير قروحا، ورد عن الربيع بن خيثم أنه قص عليه رؤيا منكرة فأتاه رجل وقال رأيت في النوم رجلا يقول أخبر الربيع بأنه من أهل النار، فتفل عن يساره وتعوذ، فرأى ذلك الرجل في الليلة الثانية أن رجلا جاء بكلب فأقامه بين يديه وفي عنقه حبل وبجبهته قروح فقال هذا ذلك الشيطان وهذه القروح تلك النفثات التي نفثتها في وجهه الربيع. (ه عن أبي هريرة) وهذا الحديث في نسخ لا تحصى ولم أره في نسخة المؤلف التي بخطه.
621 - (إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها) بأن يقول الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ما يحبه قال ذلك (وليحدث بها) غيره (وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي) أي الرؤيا (من الشيطان) ليحزنه ويشوش عليه فكره ليشغله عن العبادة فلا يخبر بها ولا يشتغل بها. قال النووي: جعل ما هو علامة عل ما يضر منتسبا للشيطان مع أن الله هو خالق للرؤيا مجازا لحضوره عندها، لا على أن الشيطان يفعل ما يشاء. وقيل: إضافة الرؤيا المحبوبة إلى الله إضافة تشريف، وإضافة المكروهة إلى الشيطان لأنه يرضاها (فليستعذ بالله) من شرها وشر الشيطان (ولا يذكرها لأحد) فإنه ربما فسرها تفسيرا مكروها على ظاهر صورتها وكان ذلك محتملا فوقعت كذلك بتقدير الله (فإنها لا تضره) فإنه تعالى جعل فعله من النعوذ والتفل وغيره سببا لسلامته من مكروه يترتب عليها كما جعل الصدقة وقاية للمال وسببا لدفع البلاء. قال ابن عربي: من حافظ على ما ذكره في هذا الحديث من الاستعاذة والكتم يرى برهانه فإن كثيرا من الناس وإن استعاذ يتحدث بما رآه، فأوصيك أن لا تفعل. وقال بعضهم: محصل الحديث أن الرؤيا الصالحة آدابها ثلاثة:
حمد الله وأن يستبشر بها وأن يتحدث بها لمن يحب لا لغيره، وآداب الحلم الردئ أربعة: التعوذ من شره وشر الشيطان. ويتفل حين ينتبه، ولا يذكرها لأحد. واستثنى الداودي من نوم ما يكره ما يكون في
(٤٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 445 446 447 448 449 450 451 452 453 454 455 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة