فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٤٥٤
الأعضاء تبع له، فإن استقام استقامت وإن أعوج اعوجت كما مر (وخذ ما تعرف) من أمر الدين: أي الزم فعل ما تعرف كونه حق من أحوالك التي تنتفع بها دنيا وأخرى (ودع ما تنكر) من أمر الناس المخالف للشرع وانظر إلى تدبير الله فيهم بقلبك فإنه قسم بينهم أخلاقهم كما قسم بينهم أرزاقهم ولو شاء لجمعهم على خلق واحد فلا تغفل عن النظر إلى تدبيره تعالى فيهم فإذا رأيت معصية فاحمد الله إذ صرفها عنك في وقتك وتلطف في الأمر والنهي في رفق وصبر وسكينة فإن قبل منك فاحمد الله وإلا فاستغفره لتفريطك * (واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) * (وعليك بخاصة نفسك) وفي رواية بخويصة مصغرا واستعملها في المشروع وكفها عن المنهي والزم أمر نفسك والزم دينك واترك الناس ولا تتبعهم. قال الزمخشري: الخويصة تصغير الخاصة بسكون الياء لأن ياء التصغير لا تكون إلا ساكنة، وجوز التقاء الساكنين فيها أن الأول حرف لين والثاني مدغم والمراد حادثة الوقت التي تخص المرء وصغرت لاستصغارها في جنب جميع الحوادث العظام من البعث والحساب وغير ذلك ثم زاد الأمر بالانجماع تأكيدا دفعا لاحتمال التجوز بقوله (ودع عنك أمر العامة) أي كافة الناس فليس المراد العوام فقط فإذا غلب على ظنك أن المنكر لا يزول بإنكارك لغلبة الابتلاء لعمومه أو تسلط فاعله وتحيره أو خفت على نفسك أو محترم غيرك محذورا بسبب الإنكار فأنت في سعة من تركه والإنكار بالقلب مع الانجماع وهذا رخصة في ترك الأمر بالمعروف إذا كثر الأشرار وضعف الأخيار (فائدة) أخرج في الحلية عن أنس مرفوعا " يأتي على الناس زمان يدعو فيه المؤمن للعامة فيقول الله ادع لخاصة نفسك أستجب لك وأما العامة فإني عليهم ساخط. (ك عن ابن عمرو) بن العاص قال كنا جلوسا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكر الفتنة فذكره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال المنذري والعراقي سنده حسن.
627 - (إذا رأيت) لفظ رواية البزار: رأيتم (أمتي) يعني صارت أمتي إلى حالة (تهاب) أي تخاف (الظالم) الجائر المتعدي لحدوده تعالى (أن تقول له إنك ظالم) أي تكفه عن الظلم وتشهد عليه به أو لا تنكر عليه مع القدرة (فقد تودع منهم) بضم أوله بضبط المؤلف والتشديد أي استوى وجودهم وعدمهم. أو تركوا وأسلموا (قوله وأسلموا: بضم الهمزة وكسر اللام بينهما سين ساكنة مبني لما لم يسم فاعله: أي خذلهم الله أه‍) ما استحقوه من النكير عليهم واستريح منهم وخذلوا وخلى بينهم وبين ما يرتكبون من المعاصي ليعاقبوا عليها وهو من المجاز لأن المعتني بإصلاح شخص إذا أيس من صلاحه تركه ونفض يده منه واستراح من معاناة النصب في إصلاحه. ويجوز كونه من قولهم تودعت الشئ أي صنته في ميدع أي ثوب لف فيه ليكون كالغلاف له: أي فقد صاروا بحيث يتصون منهم ويتحفظ كما يتوقى شرار الناس. ذكره كله الزمخشري وقال القاضي: أصله من التوديع وهو الترك وحاصله أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمارة الخذلان وغضب الرحمن. قال في الإحياء: لكن الأمر
(٤٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 449 450 451 452 453 454 455 456 457 458 459 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة