المثابة وقد يبلغ التعريض للمنصوح ما لا يبلغه التصريح لأنه يتأمل فيه فربما قاده التأمل إلى التقبل ومنه حكي عن الشافعي أن رجلا واجهه بشئ فقال: لو كنت بحيث أنت لاحتجت إلى أدب. وسمع رجل ناسا يتحدثون في الحجر فقال ما هو بيتي ولا بيتكم إلى هنا كلامه ولم يطلع عليه من عزاه للطيبي كالمؤلف (ت عن ابن عمر) ظاهر صنيع المؤلف أن الترمذي خرجه وأقره ولا كذلك بل عقبه بأنه منكر وعزو الحديث لمخرجه مع حذف ما أعقبه به من بيان القادح من سوء التصرف ورواه الطبراني أيضا عن ابن عمر باللفظ المذكور قال الهيتمي وفيه سيف بن عمر متروك.
638 - (إذا رأيتم الجنازة) بفتح الجيم وكسرها أي الميت في النعش (فقوموا لها) هبها مسلمة أم ذمية ففي البخاري أن المصطفى صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام فقيل له إنه يهودي فقال أليست نفسا؟ وذلك إكراما لقابض روحها أو لأجل ما معها من الملائكة والمراد في الكافر ملائكة العذاب أو لصعوبة الموت وتذكره، لا لذات الميت، فالقيام لتعظيم أمر الموت وإجلال حكم الله. وقال القاضي: الباعث على القيام إما تعظيم الميت أي المسلم وإما تهويل الموت والتنبيه على أنه بحال ينبغي أن يفر من رأى ميتا رعبا منه (حتى تخلفكم) بضم الفوقية وفتح المعجمة وكسر اللام مشددة أي تترككم خلفها وفي نسبة ذلك إليها تجوز لأن المخلف حاملها لا هي (أو توضع) عن الأعناق على الأرض أو في اللحد، وأو للتنويع والأمر بالقيام إنما هو للقاعد أما الراكب فيقف وفيه أن القيام للجنازة مشروع لما ذكر وبه أخذ جمع من السلف والخلف وتبعهم النووي في المجموع فاختار ندبه من حيث الدليل مخالفا لما جرى عليه في روضته من الكراهة. وقال الشافعي وأبو حنيفة وصاحباه أن الأمر بالقيام منسوخ لخبر مسلم عن علي رأيت المصطفى صلى الله عليه وسلم قام فقمنا وقعد فقعدنا وخبر أبي داود قام في الجنازة ثم قعد. قال القاضي: والحديث محتمل لمعنيين أحدهما أنه كان يقوم للجنازة ثم يقعد بعد قيامه إذا تجاوزت وبعدت عنه والثاني أنه كان يقوم أياما ثم لم يكن يقوم بعد ذلك وعليه يكون فعله الأخير قرينة وإمارة على أن الأمر الوارد في الخبر للندب ويحتمل أن يكون ناسخا للوجوب المستفاد من ظاهر الأمر وإن كان مخصوصا بنا دونه لأن الآمر لا يكون مأمورا بأمره والفعل صورة تختص بمن يتعاطاه إلا أن فعله المتأخر من حيث أنه يجب علينا الأخذ به عارضه فنسخه والأول أرجح لأن احتمال المجاز أقرب من النسخ انتهى. ثم هذا كله في القاعد إذا مرت به أما مشيعها فيندب أن لا يقعد حتى توضع كما جزم به بعضهم لكن يرده ما في أبي داود والترمذي وابن ماجة عن عبادة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان إذا شيع جنازة لم يقعد حتى توضع في اللحد فعرض له حبر من اليهود فقال له إنا هكذا نصنع يا محمد فجلس وقال خالفوهم (حم ق 4 عن عامر بن ربيعة) ورواه عنه أيضا ابن حبان والشافعي.
639 - (إذا رأيتم آية) علامة تبدو بنزول بلاء ومحنة وانقشاع سحب الرحمة ومنه انقراض الأنبياء وأزواجهم الآخذات عنهم إذ هن ذوات البركة الناقلات لنا عنهم بواطن الشريعة ما لا يظهر عليه