قال: أو تعفيني قال: لا أعفيك فقال: أما إذا لابد فإنه والله كان بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته، وكان والله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفه ويخاطب نفسه يعجبه من اللباس ما خشن.
وفي رواية: ما قصر ومن الطعام ما جشب وكان والله كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ويبتدأنا إذا اتيناه، ويأتينا إذا دعوناه ونحن والله مع تقربه منا وتودده إلينا لا نكلمه هيبة ولا نبتديه عظمة فان تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم يعظم أهل الدين ويحب المساكين ولا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله، فأقسم بالله لرأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سجوفه وغارت نجومه وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين فكأني أسمعه وهو يقول: يا دنيا يا دنيا إلي تعرضت أم إلي تشوقت، هيهات هيهات غري غيري لقد طلقتك ثلاثا لا رجعت لي فيك، فعمرك قصير وعيشك حقير وخطرك كثير، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق. قال: فذرفت عينا معاوية على لحيته فما تملكها وهو يمسحهما بكفه وقد اختنق القوم بالبكاء ثم قال معاوية: صدقت رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك (1).
ذكر أخبار النبي (ص) بقتله وان لحيته تخضب من دم رأسه