وليس الاسلام بمانع من بقاء الأحقاد في النفوس، كما نشاهده اليوم عيانا، والناس كالناس الأول، والطبائع واحدة، فأحسب انك كنت من سنتين أو ثلاث جاهليا أو من بعض الروم، وقد قتل واحد من المسلمين ابنك أو أخاك، ثم أسلمت، أكان إسلامك يذهب عنك ما تجده من بغض ذلك القاتل وشنآنه كلا إن ذلك لغير ذاهب، هذا إذا كان الاسلام صحيحا والعقيدة محققة، لا كإسلام كثير من العرب، فبعضهم تقليدا، وبعضهم للطمع والكسب، وبعضهم خوفا من السيف، وبعضهم على طريق الحمية والانتصار، أو لعداوة قوم آخرين من أضداد الاسلام وأعدائه.
واعلم أن كل دم أراقه رسول الله صلى الله عليه وآله بسيف علي عليه السلام وبسيف غيره، فان العرب بعد وفاته عليه السلام عصبت تلك الدماء بعلي بن أبي طالب عليه السلام وحده، لأنه لم يكن في رهطه من يستحق في شرعهم وسنتهم وعادتهم أن يعصب به تلك الدماء الا بعلي وحده، وهذه عادة العرب إذا قتل منها قتلى طالبت بتلك الدماء القاتل، فان مات، أو تعذرت عليها مطالبته، طالبت بها أمثل الناس من أهله.
لما قتل قوم من بنى تميم أخا لعمرو بن هند، قال بعض أعدائه يحرض عمرا عليهم (1):
من مبلغ عمرا بان المرء لم يخلق صبارة (2) وحوادث الأيام لا * يبقى لها الا الحجارة ها إن عجزه أمة * بالسفح أسفل من أواره (3) تسفى الرياح خلال كشحيه وقد سلبوا إزاره فاقتل زرارة لا أرى * في القوم أمثل من زرارة.