له رسول الله صلى الله عليه وآله، فلم يتم، وتصديت له مرة بعد مرة فلم يستقم، ومن ساور الدهر غلب، ومن حرص على ممنوع تعب، فعلى ذلك فقد أوصيت عبد الله بطاعتك، وبعثته على متابعتك، وأوجرته محبتك، ووجدت عنده من ذلك ظني به لك، لا توتر قوسك الا بعد الثقة بها، وإذا أعجبتك فانظر إلى سيتها، ثم لا تفوق الا بعد العلم ولا تغرق في النزع الا لتصيب الرمية، وانظر لا تطرف يمينك عينك، ولا تجن شمالك شينك، ودعني بآيات من آخر سورة الكهف، وقم إذا بدا لك.
قلت الناس يستحسنون رأي العباس لعلى عليه السلام في الا يدخل في أصحاب الشورى واما انا فإني استحسنه إن قصد به معنى، ولا استحسنه إن قصد به معنى آخر، وذلك لأنه إن أجري بهذا الرأي إلى ترفعه عليهم، وعلو قدره عن أن يكون مماثلا لهم، أو أجري به إلى زهده في الامارة، ورغبته عن الولاية، فكل هذا رأي حسن وصواب، وإن كان منزعه في ذلك إلى انك إن تركت الدخول معهم، وانفردت بنفسك في دارك، أو خرجت عن المدينة إلى بعض أموالك، فإنهم يطلبونك، ويضربون إليك آباط الإبل، حتى يولوك الخلافة، وهذا هو الظاهر من كلامه، فليس هذا الرأي عندي بمستحسن، لأنه لو فعل ذلك لولوا عثمان أو واحدا منهم غيره، ولم يكن عندهم من الرغبة فيه عليه السلام ما يبعثهم على طلبه، بل كان تأخره عنهم قرة أعينهم، وواقعا بإيثارهم، فان قريشا كلها كانت تبغضه أشد البغض، ولو عمر عمر نوح، وتوصل إلى الخلافة بجميع أنواع التوصل، كالزهد فيها تارة، والمناشدة بفضائله تارة، وبما فعله في ابتداء الامر من اخراج زوجته وأطفاله ليلا إلى بيوت الأنصار، وبما اعتمده إذ ذاك من تخلفه في بيته، واظهار انه قد انعكف على جمع القرآن، وبسائر أنواع الحيل فيها، لم تحصل له الا بتجريد السيف، كما فعل في آخر الامر، ولست ألوم العرب، لا سيما قريشا في بغضها له، وانحرافها عنه، فإنه وترها، وسفك دماءها، وكشف القناع في منابذتها، ونفوس العرب وأكبادهم كما تعلم،