في الحديد، واحبسوه في دار من دوركم، وتربصوا به أن يصيبه من الموت ما أصاب أمثاله من الشعراء وكان عتبة بن ربيعه سيد بنى عبد شمس ورئيسهم، وهم من بنى عبد مناف، وبنو عم الرجل ورهطه، فأحجم أبو جهل وأصحابه تلك الليلة عن قتله إحجاما، ثم تسوروا عليه، وهم يظنونه في الدار، فلما رأوا انسانا مسجى بالبرد الأخضر الحضرمي لم يشكوا انه هو، وائتمروا في قتله، فكان أبو جهل يذمرهم (1) عليه فيهمون ثم يحجمون ثم قال بعضهم لبعض ارموه بالحجارة، فرموه، فجعل على يتضور منها، ويتقلب ويتأوه تأوها خفيفا، فلم يزالوا كذلك في اقدام عليه وإحجام عنه، لما يريده الله تعالى من سلامته ونجاته، حتى أصبح وهو وقيذ (2) من رمى الحجارة، ولو لم يخرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة، وأقام بينهم بمكة، ولم يقتلوه تلك الليلة، لقتلوه في الليلة التي تليها، وان شبت الحرب بينهم وبين عبد مناف، فان أبا جهل لم يكن بالذي ليمسك عن قتله، وكان فاقد البصيرة، شديد العزم على الولوغ في دمه.
قلت للنقيب أفعلم رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام بما كان من نهى عتبة لهم قال لا، انهما لم يعلما ذلك تلك الليلة، وإنما عرفاه من بعد، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر، لما رأى عتبة وما كان منه (إن يكن في القوم خير ففي صاحب الجمل الأحمر). ولو قدرنا أن عليا عليه السلام علم ما قال لهم عتبة لم يسقط ذلك فضيلته في المبيت، لأنه لم يكن على ثقة من أنهم يقبلون قول عتبة، بل كان ظن الهلاك والقتل أغلب.
واما حال علي عليه السلام، فلما أدى الودائع، خرج بعد ثلاث من هجرة النبي