افترقت لأنها تولدت من أغذية مختلفه المنبت من العذوبة والملوحة، وذلك لان النطفة لا تتولد من غذاء بعينه، بل من مجموع الأغذية، وتلك الأغذية لا يمكن أن تكون كلها من ارض سبخة محضة في السبخية، لان هذا من الاتفاقات التي يعلم عدم وقوعها، كما يعلم أنه لا يجوز أن يتفق أن يكون أهل بغداد في وقت بعينه على كثرتهم لا يأكلون ذلك اليوم الا السكباج خاصة، وأيضا فان الأرض السبخة، أو التي الغالب عليها السبخية، لا تنبت الأقوات أصلا وان أريد الثاني، وهو أن يكون طين آدم عليه السلام مختلطا في جوهره، مختلفا في طبائعه، فلم كان زيد الأحمق يتولد من الجزء السبخي وعمرو العاقل يتولد من الجزء العذبي وكيف يؤثر اختلاف طين آدم من ستة آلاف سنه في أقوام يتوالدون الان.
والذي أراه إن لكلامه عليه السلام تأويلا باطنا، وهو أن يريد به اختلاف النفوس المدبرة للأبدان، وكنى عنها بقوله " مبادئ طينهم "، وذلك انها لما كانت الماسكة للبدن من الانحلال، العاصمة له من تفرق العناصر، صارت كالمبدأ وكالعلة له من حيث إنها كانت علة في بقاء امتزاجه واختلاط عناصره بعضها ببعض، ولذلك إذا فارقت عند الموت افترقت العناصر، وانحلت الاجزاء، فرجع اللطيف منها إلى الهواء، والكثيف إلى الأرض.
وقوله " كانوا فلقة من سبخ ارض وعذبها وحزن تربة وسهلها " تفسيره أن البارئ جل جلاله لما خلق النفوس، خلقها مختلفة في ماهيتها، فمنها الزكية ومنها الخبيثة، ومنها العفيفة ومنها الفاجرة، ومنها القوية ومنها الضعيفة، ومنها الجريئة المقدمة، ومنها الفشلة الذليلة (1)، إلى غير ذلك من أخلاق (2) النفوس المختلفة المتضادة.
ثم فسر عليه السلام وعلل تساوى قوم في الأخلاق وتفاوت آخرين فيها فقال: