عملوا فيها بما يبصرون، وبادروا فيها ما يحذرون، تقلب أبدانهم بين ظهراني أهل الآخرة، ويرون أهل الدنيا يعظمون موت أجسادهم، وهم أشد اعظاما لموت قلوب أحيائهم.
* * * الشرح:
بين ظهراني أهل الآخرة، بفتح النون، ولا يجوز كسرها، ويجوز " بين ظهري أهل الآخرة "، لو روى، والمعنى في وسطهم.
قوله عليه السلام: " كانوا قوما من أهل الدنيا وليسوا من أهلها "، أي هم من أهلها في ظاهر الامر وفي مرأى العين وليسوا من أهلها، لأنه لا رغبة عندهم في ملاذها ونعيمها، فكأنهم خارجون عنها.
قوله: " عملوا فيها بما يبصرون "، أي بما يرونه أصلح لهم، ويجوز أن يريد أنهم لشدة اجتهادهم قد أبصروا المآل، فعملوا فيها على حسب ما يشاهدونه من دار الجزاء، وهذا كقوله عليه السلام: " لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ".
قوله عليه السلام: " وبادروا فيها ما يحذرون "، أي سابقوه، يعنى الموت.
قوله عليه السلام: " تقلب أبدانهم "، هذا محمول تارة على الحقيقة، وتارة على المجاز، اما الأول فلأنهم لا يخالطون الا أهل الدين ولا يجالسون أهل الدنيا، واما الثاني فلأنهم لما استحقوا الثواب كان الاستحقاق بمنزله وصولهم إليهم، فأبدانهم تتقلب بين ظهراني أهل الآخرة، أي بين ظهراني قوم هم بمنزلة أهل الآخرة، لان المستحق للشئ نظير لمن فعل به ذلك الشئ.
ثم قال: هؤلاء الزهاد يرون أهل الدنيا إنما يستعظمون موت الأبدان، وهم أشد استعظاما لموت القلوب، وقد تقدم من كلامنا في صفات الزهاد والعارفين ما فيه كفاية