الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٧ - الصفحة ١٩٧
في قوله صلى الله عليه وسلم (لا يمنعن أحدكم جاره ان يضع خشبة في جداره) أرى انه لازم للحاكم ان يحكم به على من أباه وان يجبره عليه بالقضاء لأنه حق قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه من الضرر ان يدفع جاره ان يغرز خشبة على جداره فيمنعه بذلك المنفعة وصاحب الجدار لا ضرر عليه فيه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) وقال عمر لم تمنع أخاك ما لا يضرك وقد قال مالك للجار إذا تهورت بئره ان يسقي نخيله وزرعه من بئره وهذا ابعد من غرز الخشبة في جدار الجار إذا لم يكن يضر بالجدار فان خيف عليه ان يوهن الجدار ويضر به لم يجبر صاحب الجدار على ذلك وقيل لصاحب الخشب احتل لخشبك قال ومثله حديث ربيع عبد الرحمن [بن عوف] في حائط المازني قال فهذا أيضا يجبر عليه بالقضاء من اجل ان مجرى ذلك الربيع كان ثابتا في الحائط لعبد الرحمن قد استحقه فأراد تحويله إلى ناحية أخرى هي أقرب عليه وارفق لصاحب الحائط قال واما الحديث الثالث في قصة الضحاك بن خليفة مع محمد بن مسلمة فلم أجد أحدا من أصحاب مالك وغيره يرى أن يكون ذلك لازما في الحكم لاحد على أحد وانما كان ذلك تشديدا على محمد بن مسلمة ولا ينبغي لاحد ان يكون غيره أحق بماله منه الا برضاه قال أبو عمر مثل هذا يلزم في قصة [ربيع] عبد الرحمن بن عوف في حائط [الأنصاري] المازني لان الذي استحق منه مجرى ربيع في ذلك الموضع بعينه وما عدا ذلك الموضع فملك الأنصاري لا يحل الا عن طيب نفس منه كما لو اكترى رجل من رجل دارا أو حانوتا بعينه ثم أراد ان ينقله عنه إلى غيره لم يجز له عندهم ذلك الا برضا المكتري ولا يجوز الا ان يكون الباب في ذلك بابا واحدا ويكون القضاء بالمرفق خارجا عن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفس منه) بدليل حديث أبي هريرة في غرز الخشب على الجدار وقضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأنه لا يجوز للجار ان يمنع جاره ما لا يضره فيكون حينئذ معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفس منه) خرج على الأعيان والرقاب واستهلاكها إذا اخذت بغير اذن صاحبها لا على المرافق والآثار التي لا تستحق بها رقبة ولا عين شيء وانما تستحق بها منفعة وبالله التوفيق
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»