المصنف:
لست بصدد ترجمة حياة مؤلف هذه الرسالة الشيخ البهائي، بل إن ذلك منوط بكبار العلماء والمطلعين في هذا المجال، ولا يمكن لهذه الأسطر أن تستوعب مثل هذه الشخصية الفذة ذاع صيتها في الآفاق، وأشرق نورها في الأماكن والبقاع.
وما هي إلا لمحة عن حياته المباركة، بل كلمة تعريف جرت العادة كتابتها في مقدمة كل رسالة أو كتاب محقق.
فهو الشيخ الجليل بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني الجبعي، ينسب إلى الحارث الهمداني، ولد في بعلبك - وقال أبو المعالي الطالوي: إنه ولد بقزوين، وقيل غير ذلك - سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، وانتقل به والده وهو صغير إلى الديار الإيرانية فنشأ فيها وتتلمذ على يد والده وغيره في الفقه والأصول والعقائد والتفسير والنحو وغير ذلك من العلوم، حيث لم يدع علما إلا وطرق بابه وارتشف من منهله العذب، حتى ذاع صيته وعلا، وعرف بالفضل والكمال، وأصبحت كلمته مسموعة.
فعند ذلك رغب في الفقر والسياحة، واستهب من مهاب التوفيق رياحه، فترك تلك المناصب، ومال لما هو بحاله مناسب، فساح في البلدان ثلاثين عاما من أصفهان إلى الحجاز، ثم مصر والقدس وحلب، ثم رجع إلى أصفهان - مركز تحصيله وتعلمه -، وهناك هما غيث فضله وانسجم، وألف وكتب، فانتهت إليه رئاسة المذهب، وبه قامت قواطع البراهين والأدلة، جمع فنون العلم، وانعقد عليه الاجماع، وتفرد بصنوف الفضل، فبهر النواظر والأسماع، فما من فن إلا وله القدح المعلى، والمورد العذب المحلى، إن قال لم يدع قولا لقائل، أو طال لم يأت غيره بطائل.
فحاله في الفقه والعلم، والفضل والتحقيق والتدقيق، وجلالة القدر، وعظم الشأن، وحسن التصنيف، ورشاقة العبارة، وجمع المحاسن أظهر من أن